رسالة إلى الغائب

رسالة إلى الغائب

ما مررنا به من ظروف قاسية جعلت كل عائلة عراقية وكل بيت عراقي تقريبا فيه المفقود او المعاق اوالشهيد ، ونحن العراقيين قد تعلمنا الصبر على مانحن فيه فزيارة المعتقل اصبحت تخفف الم غيابه عن البيت وزيارة الشهيد وطلب الرحمة له قد يهون رحيله المفاجئ لكن ماذا عن المفقود !! حياة ..امرأة عراقية وهي ام لولد وبنت ،في احدى المساءات من العام 2006 اصيبت ابنتها بوعكة صحية مفاجئة ما اضطر والدها للذهاب والبحث عن اقرب صيدلية لجلب الدواء لكن القدر كان بانتظاره ،حاله حال الكثيرين غيره …فلم يعد الى بيته .في يوم من الايام وبعد سبع سنوات على فقدان زوجها وبينما كانت ترتب المكتب الذي تدرس عليه ابنتها “امل”  وهي تمسك الدفتر والقلم قررت ان تكتب رسالة الى اللامكان.. تذكرت والدتها رحمها الله عندما كانت تشتاق الى زوجها الذي تأسر في الحرب كانت تكتب مكتوبا تتحدث فيه عن كل تفاصيل حياتها وتحتفظ به حتى يعود جلست حياة على الكرسي وبدأت تكتب بالرغم من تعب عينها:

زوجي العزيزخالد ..

لاادري ان كنت فوق الارض ام تحتها ، لكننا اشتقنا اليك كثيرا والى رؤيتك والى عطرك وصوتك قد اكون تأخرت في الكتابة اليك الا انني كنت اصبر نفسي بصورتك المعلقة في الغرفة فاقبلها عندما اصحو وقبل ان انام داعية الله عز وجل ان يعيدك الينا ان كنت حيا او يدلنا على قبرك ان كنت ميتا ،لازلت احضن ملابسك واشم عطرك فيها فأعود الى ايام ماقبل رحيلك …حبيبي اين انت كلنا بحاجة اليك فابنك “احمد”  احس باليتم في حفل تخرجه فكان يتطلع بالوجوه علًه يجدك بينها “وامل” تلك التي اخذتها الحيرة عندما كانت تملأ استمارة التقديم للجامعة ماذا تختار عن حالة الاب : حي ام متوفي.

عندما لم تعد في تلك الليلة وما بعدها اصبح السواد يخيم على حياتي فانت نور البيت وعموده لكنني لم اكف يوما عن البحث عنك جبت المستشفيات ومراكز الشرطة حتى السجون والمعتقلات  كنت ابحث عن من افرج عنه لأُريه صورتك عسى ان يتعرف عليك واتساءل في نفسي “ربما تغير شكله من الحزن والتعب ؟ لاادري ..” اه يا ابا احمد لاتتصور كم من مشاهد الموت كنت اشهدها وانا ابحث عن جثتك في الطب العدلي وكيف كان الخوف والرعب ينتاباني حين يكشف الغطاء عن الجثة التي تحمل من اوصافك وادعو الله في نفسي ان لااجدك هناك ..ولم اجدك على الرغم من انني في بعض الاحيان كنت احسد جارتنا ام صالح لان لزوجها قبرا تزوره لتبكي وتشكي اليه في العالم الاخر ..لكن انا !! ذهب الخير وزالت البركة بغيابك …..

بدأت الدموع تنهمر من عينيها اللتين ذبلتا من كثرة البكاء حتى ان نظرها قد ضعف ولم تبال بذلك لأنها كانت مقتنعة كل القناعة  ان سبب ذلك هو رحيل نور عينها ” خالد ..ابا احمد ” واذا بصوت رجولي ينادي:

يا اهل الدار ..اما من احد هنا ..اين انت يا حياتي

 سكتت وبدأت تسمع باهتمام وتركيز من هذا هل… هل عاد خالد فُتحَت الباب فدخل عليها رجل لا تستطيع ان ترى ملامحه جيدا فالدموع تملأ عينها لكن حبها الكبير واشتياقها اوحيا اليها انه زوجها .. فقامت من مكانها وهي تصيح:

حبيبي خالد.. خالد هل عدت واجهشت بالبكاء وارتمت في احضانه ، فاحتضنها بقوة وقبّل رأسها وهمس في اذنها :

لا يا امي …… هذا انا احمد.

زينة عبد القادر منصور – بغداد

مشاركة