رسالة إلى العراق من مجهول – ثامر مراد
كيف حالك ايها العراق ؟ هل تعرفني ؟ هل سمعت اسمي يوما ما ؟ ام انك لاتبالي بوجودي اصلاً على كوكب الارض؟ الحق معك ..لم اقدم لك شيئاً يوما ما ،لم ادافع عنك يوما ما..انت تكرهني كما تكره العشرات من الساكنين على ارضك الطيبة . لاتحتقرني كما تحتقر البعض لمغادرتهم ارضك المعطاء ..تركوك هنا وحيدا تتجرع كؤوس البؤس كل يوم الاف المرات. ارجوك ايها العراق لاتحكم علي قبل ان تسمع مرافعتي ..قبل ان اغادر هذا العالم مسموما او مقتولاً او مطعونا.. الجميع هنا على ارضك خائف ..او يخشى من حدوث شيء مرعب ..الكل صامت الا من كان في مكانٍ آمن لايخاف لومة لائم. انت الذي لايعرفني ولايعرف كيف تعلقت بك حياتي وروحي حد التلاشي.. هذا العشق وهذا التعلق التعصبي التراجيدي البائس لرجل مسن شارف على الرحيل الى العالم الاخر . انت السر الكبير الذي يربطني بهذا الكون بكل تفاصيله . منذ ان شرعتُ افهم الاشياء التي تدور حولي في محيط حياتي عند بواكير الطفولة وانا متعلق بك حد الشغف حد الموت وارسم في تجاويف ذهني – انك ستدافع عني يوما ما حينما احتاج الى من يدافع عني او انك ستمنحني ثروات واموال ليس لها حدود تستمدها من نهري دجلة والفرات ومن نخيل العراق ومن كل الثروات التي تنتشر على ارضك من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب. بذلتُ كل جهودي كي انجح بتفوق في مدارسك وجامعاتك ومراكز التعليم المخصصة لأبناء العراق – كي نخدمك عندما نكبر ونصبح ابناء برره ندافع عنك بدماءنا وارواحنا وكل شيء نملكه. وجاء حكام ورؤساء ووزراء على مر العصور ولم اجد شخصا واحدا من اؤلئك الرؤوساء يهتم لنا ولك ايها العراق وراح كل فرد منهم يغترف لنفسه اطنان وجبال من اموال لاتنتهي وظفها لنفسه و لعائلته وتركني انا وابناء العراق نغترف من ذلك الفقر المدقع وتلك الحسرات التي لاتنتهي .
قفار مخيفة
كنت اركض مع الراكضين بين الجبال والسهول والوديان والمياه نطرد كل من يحاول الاقتراب من ارضك الطيبة ومات المئات والعشرات والالوف من البؤساء امثالي هناك في تلك القفار المخيفة وظلت اجسادهم تنهشها الغربان والذئاب والوحوش الضارية بكل ماتعنيه هذه العبارة من معنى . الغريب انك لم تهتم لي – اقصد لنا جميعا نحن البؤساء المتروكين هناك في الارض المحروقة – ولم تدافع عنا يوما ما ..لابل كان احد الرؤوساء يدعوننا بالخونة لان البعض منا وقع اسيرا في بلادٍ بعيدة كنا نحاول صد هجماتها التي لاترحم. كم انت قاسٍ ايها العراق ..لاتهتم لكل من ضحى بدمهِ من اجلك..تركت البعض بلا سند بلا معيل بلا حقوق تقاعدية ومنحت القادمين من خلف البحار اموالا بحجم السموات والارض ورحت تغدق عليهم بكل شيء نفيس ونحن البؤساء ننظر اليهم ونتحسر لابل نحلم بالفتات القليل ممن يلقونه الينا كأننا كلاب جرباء .
هل هذه هي النهاية لعشقي وشغفي بك حد الموت؟ هل تعرف ايها العراق كم تالمت انا مع البعض حينما كنا هناك خلف الحدود – بسببك – كانوا يعذبوننا بطريقةٍ لايمكن ان تخطر على ذهنِ انسان – التعذيب عن طريق العزلة التامة عن الاخرين من زملاءنا – التعذيب عن طريق الفراغ والصمت الرهيب في مساحات ارضية لاتتعدى المتر والنصف . ايها العراق لم تكن تعرف اين كنا او اين كنتُ على المستوى الشخصي – اعرف انك كنتَ قد حذفتني كما حذفت الزملاء الاخرين من قائمة النفوس البشرية واعتبرتنا ارقام ضائعة من خارطة دائرة النفوس .. ومع هذا بقينا نناضل من اجلك فقط على امل ان تعوضنا يوما ما اذا كًتِبَتْ لنا الحياة مرة اخرى. هل تعرف ايها العراق ان اكثر شيء تعذيبا للروح هو وضع الانسان في فراغ وعزلة تامة مطلقة عن المجتمع المحيط به . حينما انظر اليوم او في هذا الزمن الى تلك الجماهير التي تصرخ في جنوب العراق في المهرجان الرياضي متظاهرة بالغرح بوجودك ايها العراق اشعر بالحزن لابل اريد ان اذرف الدموع السخية عليك وعلى كل ابناء العراق البؤساء المحرومين امثالي. انهم يتظاهرون بالفرح المطلق ولكن في داخل روح كل واحدٍ منهم انهار من دموع لاتنضب وحسرات تكاد تناطح السحاب وثورة غضب كامنة لو تفجرت لحطمت كل جبال الارض. انا اسامحك ايها العراق على الرغم من انك اهملتني الى الابد ولم تعوضني لحظة عذاب واحدة في زنزانة من الفراغ والعزلة يوما ما ..اسامحك لانك مشلول لاتقوى على الحركة كرجل مسن فقد القدرة على النطق الى الابد..اريد ان اقترض منك مبلغا بسيطا لافتح مشروعا صغيرا اعتاش منه على ان اسدد لك المبلغ على شكل اقساط شهرية ولكنك لاتستطيع لانك مثلي فقدت القدرة على الحركة ..انت محتل بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى والمحتل لايملك القدرة على اعانة الاخرين .. آه …ايها العراق كل هذه الاموال التي يسرقها الفاسدون من اموالك..وكل هذه الاموال التي ينثرها الماجنون على ارداف الساقطات ..ولاتستطيع انت ان تمد يد العون لأبنك الذي كان يموت كل يوم الاف المرات احد عشر عاما هناك خلف الحدود ..آه …ايها العراق كم انتِ بلارحمة …..ومع هذا اسامحك لأنك الهواء الذي اتنفسه.