رسائل ت أس إليوت الجزء الثالث 1926 1927

رسائل ت أس إليوت الجزء الثالث 1926 1927
علاقة غرامية جمعت زوجة صاحب الأرض اليباب وبرتراند راسل
قراءة سلوى جراح
ت أس إليوت 1888 1965 هو توماس ستيرنز إليوت، الناشر والمسرحي والناقد الأدبي والاجتماعي بل كما يراه كثيرون، أهم شعراء اللغة الانكليزية في القرن العشرين. قصائده مثل الأرض اليباب ، الرجال الجوف ، أربعاء الرماد وغيرها ظلت تثير الجدل بين أوساط المثقفين على مدى عقود طويلة. إليوت أمريكي جاء إلى بريطانيا وهو في الخامسة والعشرين من عمره ليصبح مواطناً بريطانياً بعد ثلاثة عشر عاماً. مجموعة رسائله هذه التي هي الثالثة في سلسلة كتب تناولت علاقاته وحكاياته مع معاصريه من خلال ما تبادل معهم من رسائل، تصوره ملكاً غير متوج على الحياة الثقافية. ففي عام 1926 كان رئيس تحرير إحدى المجلات الثقافية الفصلية اللامعة The Criterion (المعيار أو الميزان . تراسل مع نجوم الفكر والثقافة في عصره مثل الشاعر إزرا باوند، استاذه الأول، والروائية فرجينيا وولف، والشاعر الإيرلندي وليام بتلر ييتس والروائي والشاعر والسينمائي والمصمم الفرنسي جان كوكتو والشاعر الانكليزي الذي حمل الجنسية الامريكية، والذي يراه الكثيرون منافساً شعرياً خطيراً لأليوت، ويستان هيو أودن. وكأن ذلك لم يكن كافياً ففي نفس العام دعاه جيوفري فابر، مؤسس دار النشر الشهيرة التي تعرف اليوم بـ فابر أند فابر ، دعى إليوت ليحتل منصب مدير في دار النشر. كما كانت قصيدته الشهيرة الارض اليباب التي نشرت قبل ستة أعوام ما تزال موضوع نقاش وتحليل في أوساط المثقفين، حتى أن الروائي سكوت فيتزجيرالد اعترف بأنه من دون وعي منه اقتبس مقاطع من القصيدة في روايته غاتسبي العظيم .
لكن حياة اليوت الشخصية كانت على النقيض من نجاحه الثقافي الكبير، فقد كانت زوجته الأولى فيفيان هايود، تعاني من اعتلال صحتها ثم ظهرت عليها اعراض الاصابة بأعراض الجنون والانفصام عن الواقع، مما جعل حياتهما معاً في حكم المستحيل، خاصة أن الزواج الذي تم في عام 1915 لم يكن ناجحاً بل كانت هناك إشاعات عن علاقة غرامية بين فيفيان وبرتراند راسل حين عاش الزوجان في شقته لفترة. لكن اليوت لم ينفصل عن فيفيان رسمياً حتى عام 1932 حين ذهب للتدريس في الولايات المتحدة الامريكية لعام دراسي، ثم أدخلت فيفيان إلى مصحة عقلية بعد ذلك بست سنوات وبقيت فيها حتى وفاتها عام 1947. لكن اليوت لم يزرها أبداً ولم يكلمها منذ انفصل عنها. بعد سنين في عام 1957 حين كان إليوت في الثامنة والستين تزوج سكرتيرته في مؤسسة فابر فابر أيسمي فالاري فليتشر، التي كانت تصغره بثلاثين عاماً. لكنهما حاولا منذ البداية أن يظل زواجهما سراً، ولم يحضر حفل الزفاف سوى والدي العروس. وبعد وفاة إليوت، كرست فالاري جل وقتها وجهدها للحفاظ على تراثه الادبي والفكري. فقامت بالاشراف على تنقيح وطبع رسائله في سلسلة كتب، هذا هو الثالث بينها، ونشر مسودة لقصيدة الأرض اليباب التي يقال إنها من وحي تدهور علاقته بزوجته الاولى. لم ينجب اليوت من كلتا الزوجتين، لكنه شكا مرة لصديقه جيوفري فابر من أنه سيموت بلا أبناء من صلبه.
الفشل الآخر الذي اعترى حياته في نفس العام، كان رفض جامعة اوكسفورد منحه زمالة لتقديم دراسة مستفيضة عن حياة الشعراء الميتافيزيقيين الانكليز، في القرن السابع عشر بعد أن قدم محاضرة في جامعة أوكسفورد عن الشاعر جون دون 1572 1631 وبعض معاصريه. جاءه الرفض القاطع في رسالة تقول إنه لا يملك الأدوات لإجراء مثل هذه الدراسة وإنه في سن السابعة والثلاثين لا يستطيع تعويض ما فاته . كانت صدمة كبرى لرجل الشعر والثقافة. لذلك اتجه الى فكرة التدين وانظم إلى الكنيسة الانجليكية ربما ليؤكد انكليزيته هو الامريكي الاصل. وفي نفس العام حصل على الجنسية البريطانية وأسعده أن يصبح الجنتلمان الانكليزي الذي احبه فكرة ان يكونه. فكان يرتدي البدلة السوداء والسروال الأسود المقلم بالابيض، والقبعة الدائرية بل كتب لاحد أصداقائه ليس هناك في أمريكا ما يستحق الحفاظ عليه .
لكن توجهه الديني جعله يتقعر في أفكاره النقدية، فقد كتب مقالاً غاضباً غير وافي المعلومات عن الروائي البريطاني دي اتش لورنس، يقول فيه إن لورنس لا يهتم بالسياسة أو الدين أو الفن، وكل شخصياته لا تفعل شيئاً سوى ممارسة الحب وحتى حين تفعل ذلك تكون كالحيوانات ذات الخلية الواحدة . بل لقد رفض أن ينشر إحدى قصص لورنس الرائعة الشمس في مجلته كرايتيريون . كما هاجم كل المفكرين الاحرار مثل أتش جي ويلز، وبرنارد شو واتهمهم بالسطحية. وحين بعث له برتراند رسل مقاله الشهير لماذا لست مسيحياً ، كتب له يقول مقالك يشبه لهو الاطفال، لم لا تكرس وقتك للرياضيات ؟ كما هاجم العديد من الكتاب والشعراء اليهود حتى اتهم بمعداة السامية واليسار والتقرب من النازية. وحين عاتبه مرة صديقه جيفري فابر حول قسوته في أحكامه كتب له إليوت يقول ما زلت أذكر الملذات الصغيرة، السكر والعبث مع النساء لكنه لم يذكر شيئاً عن اللواتي كن مثار عبثه. اما اصدقاؤه فكانوا يرونه غريب الاطوار فقد كتب عنه الكاتب الانكليزي ألدوس هيكسلي، بعد ان التقاه في باريس في ذلك العام وكانت زوجته فيفيان دخلت إحدى دور الرعاية في مدينة باريس كان لونه بين الأخضر والرمادي ويحتسي ما لا يقل عن خمسة كؤوس من الكحول مع وجبته . لكن اغرب ما ورد في الكتاب كانت الرسائل الساخرة التي كان أليوت يكتبها لأصدقائه عن العديد من نجوم المجتمع والسياسة وهذه عادة لم يتخل عنها منذ ايام دراسته في جامعة هارفرد الأمريكية، ولم تكن غريبة عن شعره أو نظرته للحياة رغم تدينه الشديد وتعصبه لكل ما يؤمن بهه.
ما يميز هذه المجموعة الثالثة من رسائل تي اس اليوت ليس فقط ما تبادله من رسائل مع المشاهير من كتاب وشعراء عصره ولكن الملاحظات والهوامش التي كان يكتبها بكل التفاصيل الصغيرة والتي تشكل بمجموعها سيرة ذاتية ممتعة تلقي الكثير من الضوء على جوانب خفية من حياته وافكاره وخيبات أمله. الكتاب بمجمله محرر بشكل رائع بحيث أن اليوت نفسه رغم نقده اللاذع لكل شيء، كان سيكون راضياً عنه كل الرضا..
/6/2012 Issue 4232 – Date 23 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4232 التاريخ 23»6»2012
AZP09

مشاركة