رؤية الغرب للشرق الأوسط
استذكرت صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 15/نيسان /2005 رؤية المفكر الأمريكي (نعوم تشومسكي) في السياسة الدولية في عام 1958 رداً على سياسة إدارة الرئيس الأمريكي السابق (أيزنهاور) التي حددت ثلاث أزمات رئيسة في العالم .. الأولى : كانت أندونيسيا ، الثانية شمال أفريقيا والثالثة الشرق الأوسط ، وكل حالة أشتملت على وجود نفط إضافة إلى كونهم جميعاً يمثلون دولاً إسلامية.. أندونيسيا ومصر كانتا دولتين علمانيتين والولايات المتحدة دعمت المملكة العربية السعودية (أكثر دول العالم تطرفاً من الناحية الأصولية) ضد مصر التي كانت تقود الأتجاه العلماني بين الدول العربية .. هل كان ذلك بسبب صراع الحضارات ؟ لا .. كان ذلك من أجل خدمة المصالح الأمريكية كما رأتها الإدارة الأمريكية آنذاك، الإدارة الأمريكية دعمت (سوهارتو) الديكتاتور الذي قتل ما لا يقل عن مليون أندوينسي ، وفي الحالة الثالثة أزمة أستقلال ” الجزائر” قامت فرنسا بما يجب من أجل أحتواء آثار أستقلال الجزائر بوجود مخابراتي ضخم بعد رحيل قواتها إلى الدرجة التي لا أستبعد معها قيام فرنسا والمخابرات الفرنسية بنصف المذابح التي حدثت في الجزائر خلال السنوات العشر الماضية .. وهذه الأمثلة وغيرها لا تدل على (صراع حضارات) بل على أنماط سياسية للقوى الكبرى في سعيها لتحقيق مصالحها.. وكتب هارفي هول كاتب أمريكي ذات يوم مقالاً في (مجلة الشرق الأدنى) التي تصدر في أمريكا ، يصف فيه سياسات الدول الغربية الثلاث : إنجلترا وفرنسا وأمريكا ، تجاه الشرق الأوسط ، فقال أنه كما تلتقي القارات عند الشرق الأوسط ، فكذلك تلتقي المصالح العسكرية للدول الكبرى الغربية ، فهذه الدول – مع أختلافها في الخطة – تتشابه في حسبانها بأن هذا الشرق الأوسط بلاد غير مأهولة بسكانها ، وليس على أرضها ثقافة عريقة أمتدت آلاف السنين ، أن تلك الدول إذ تخطط لسياستها فأنما تفترض في تخطيطها أن ليس في بلاد الشرق الأوسط ناس أحياء ، وكل ما في الأمر عند تلك الدول أن هذه المنطقة ميدان للتنافس فيما بينها ؟ وأني لأضيف شارحاً : أنه لو تبلور الهدف الذي تستهدفه الدول الغربية الكبرى تجاه الشرق الأوسط في كلمتين ، لكن هو أن تجعل من هذه المنطقة بلداناً (مستتبة) و (صديقة) بالمعاني التي يخلقونها على هاتين الكلمتين ، أما ” الأستتباب ” عند ساسة الدول الكبرى فمعناه أن تستقر بلدان الشرق الأوسط على هواهم ، وكل حركة تجئ مضادة لذلك الهوى عندهم فهي في تعبيرهم عصيان وغوغائية ، وأما (الصداقة) عنّد أولئك الساسة ، فهي أن تجري بلاد الشرق الأوسط في أفلاكهم أتباعاً لا هدف لهم ولا أرادة.
لكن هذا الاستعمار الغربي بأشكاله المختلفة مصيره إلى فناء ، لأنه بنى بناءه على خطأ جسيم، وهو ظنه بأن بلادنا أرض خلاء لا حضارة فيها ولا ثقافة ولا تاريخ ولا مستقبل.. أنه لمن المأثور عن ” بلفور ” حين أمسك بقلمه يخطط أرض فلسطين ليصدر وعده المشئوم للصهيونيين أنه أجاب سائلاً سائله حينئذ : وماذا أنت صانع بأهل هذا البلد ؟ بقوله : وهل لهذا البلد أهل؟ وأما الجواب على سؤال هذا المأفون ، وأما تصحيح الأوهام التي تلعب برؤوس الاستعمار الغربي بمختلف اشكاله ، فهو ما سيضطلع به العرب في هذه المرحلة ” الصعبة ” من حياتهم لمواجهة هذا التحدي بطريقة حضارية مبدعة تحفظ للأمة العربية – الإسلامية هويتها وتضمن بقاءها وتجددها.. أن على مفكري الأمة وقادتها أن يقدموا الجواب بالقول والعمل ، لأن العزلة والأنكفاء على الذات هو أقصر طريق إلى الجمود والتحجر ، ومن ثم إلى الموت .. من الضروري أن يكون هناك حوار ثقافي وحضاري بين الأمم من موقع العادة والمساواة والأحترام المتبادل ، وليس من موقع الضعف والتبعية أننا نعيش في عالم لا يسمح بالعزلة ، فكل وسائل الأتصال والتبادل الثقافية والحضارية تدعونا إلى التواصل والحوار لإزالة المفاهيم الأستعمارية من الرؤوس التي لا ترى غير مصالحها واستغلالها للشعوب متذرعة بشتى الذراع والأسباب ، كالحفاظ على استقرار المنطقة أو أحتواء خطر الأصولية الإسلامية ولكن هذه الأهتمامات الجانبية النابعة من ظروف محددة تندرج بطبيعتها في الفرضية الأساسية (النفط) الذي كان دائماً الشغل الشاغل للسياسة الغربية وهذا ما تم تأكيده في ورقة دراسية مقدمة إلى مجلس العلاقات الخارجية ، وهو مؤسسة مستقلة مقرها في نيويورك ، في آذار عام 1988 ، وهي تكشف بصورة لا تقبل الشك عن أطماع الدول الغربية بثروات المنطقة العربية منذ فترة طويلة وقد أثبتت وقائع المنطقة بالكثير من الشواهد المدللة على السياسة الخاطئة المتبعة من قبل الغرب الناتجة عن سوء التقدير وقصر النظر ستؤدي إلى الأضرار بمصالحها الخاصة نفسها ، وأن المصالح الغربية كانت وستكون في مأمن لا عن طريق الأساطيل والقوات العسكرية بل بتطابق هذه المصالح مع أهداف حكومات المنطقة نفسها ، وطموح شعوبها في الحرية والديمقراطية0
معتصم زكي السنوي
AZP02