رأيت العيد يبكي

رأيت العيد يبكي
المصطفى كليتي
قال الولد لأمه بمضاضة
أمي رأيت العيد يبكي ؟.
أجابت الأم ضاحكة وماسحة على رأس ولدها بحنو غامر
العيد نشوة تتغلغل في القلوب المحبة، وشموع منيرة تشرق بهجة في النفوس، وعطور فواحة تزكم الانوف، وملابس جديدة وحلوى لذيذة، وضحكة كبرى في سعة الكون.
الولد بتأثر وإصرار أكد
رأيت العيد يبكي يا أمي.
ضمت الأم ولدها إلى صدرها، وقالت مستوضحة
وأين وجدت العيد يبكي. بالله قل لي.
قال الولد ملسوعا هلعا
رأيته في عيون الأطفال الخائفين، الجوعى، العراة، الحفاة، فأطفال العالم كقطرات الندى والنجوم والأزهار يتشابهون ؛ وهم يضحكون ويبكون ويغنون، أراهم يجرون هنا وهناك؛ بحثا عن ملاذ من طيش الرصاص، أو ملجأ يقيهم كاسحة عواصف الغضب. رأيته في عيون الأمهات الثكالى النحيفات ؛ كأنهن أعواد قصب، بأثداء مجوفة مندلقة على شكل إجاص أفسده الحر، رأيته غولا عظيما يمسك رشاشا، ويطعم الناس رصاصا وموتا زؤاما بدل الخبز والماء.
الأم مطمئنة ولدها
ذلك مجرد كابوس، لا تشاهد أفلام الرعب، ولا أخبار قنوات التلفاز، إنها مجرد كوابيس يا ولدي، وإن كنا نراها بعيون مفتوحة، فلا شأن للصغار بهموم الكبار. فكر فيما يعنيك يا ولدي. عش فرحك. عش عيدك. فالعيد يأتي لكي نفرح يا صغيري. افرح. افرح. حتى تجد الحياة تستحق كلفة العيش.
تابعت الأم محفزة صغيرها
هيا اِلبس ملابسك الجديدة، وتفاخر بها أمام أقرانك، فأنت أمير جميل. وكل أميرات العالم سيسعين خلفك ويخطبن ودك.
صاح الولد بنرفزة
لما عيدك لا يمسح دمع الحزين، ولا يروي الظمآن ولا يطعم المسكين.
الأم معلقة، وقد ضاق صدرها هذه المرة
لما يأت العيد. علينا أن نفرح وكفى.
رد الولد بعناد
لن أخرج من البيت، حتى أرى أصحابي الأطفال يضحكون، ويغنون ويرقصون. العيد يا أمي يبكي صدقيني. رأيت العيد يبكي ويبكي بحرقة ومرارة، فبكت معه الأطيار، والأزهار، والأطفال، والنجوم.
صمتت الأم مليا، وصمت الولد مطرقا، ثم ضمت الأم ولدها إلى صدرها بقوة. وبكيا معا.
AZP09

مشاركة