ذكرى الموت الأخير
شاكر مجيد سيفو
ليست مرثية للأب الشاعر يوسف سعيد
في غفوة السماء الثامنة
حطّ سرب الملائكة على شفق السبت
كانت كفّ الأحد تستلّ خيطه الأول
ويدي تخطفه وتدفنه تحت وسادتي
حينها نمت على شخير كوكب غريب
كانت أصابع الأب ترسم شارة في الهواء العالي
فتأخذها الريح الى الأعالي
أيتها الأعالي انا نديمك ,أناديك بآسم الروح الأول
وشهقة الرغيف الأول وعنفوان المسك والعطر
وبرق الياقوت وهرج البخور
هناك رأيت روزنامة العمر تعوي في كوّة الجبّ
ورأيت الأب الشاعر يعيد لقصيدتي أوزانها
حيث آختلّ الوزن في شفق السبت
وحينما وصل السطر الأخير لها
آنتفضت قصيدتي على الوزن والشفق
فرحت أوخز بلساني وأحشو حنجرتي بدبابيس الحياة
فآكتشفت اوزانا جديدة خارج بحور الخليل وداخل اوزان السروجي
لأرتّب بها حياتي الجديدة في نافذة سمائي الثامنة
خارج سجن قصيدتي
والأب الشاعر فيها ضيف الكلام والورد
والجنون صديقي
حرضني الوزن ان أخرج منها ومنه وعليه
فخرجت أحمل سرّة الدنيا في قبضتي
وبلاغة الهواء في حنجرتي
والسلم الموسيقي القديم في لساني
جئت أحمل سرّة البلاد
حينما بكى الله في بغداد
يوم آنفجرت سرّة سيدة النجاة
وتصدعت أضلاع دجلة والفرات
حينها حملت عنهما الجنائن المعلقة
وأقصد الجنائز المعلقة
حملت بغداد حدبة على ظهري
وحينما وصلت الباب المعظم
اوقفني الحلاج وطلب مني ضلعي السابع
فأهديته اضلاعي كلها
فآنقذفت الى دجلة فعانقني
وصرت له فراتا
حينها شعّت بغداد على الدنيا
رقد الموت فيها
ورفعنا للسماء المواتا………
لكنني ما زلت أمضغ سكّرأحزاني
قلت أذن
سأحتاج لكل مراثي أرميا
سأحتاج الفصّ الأزرق لخاتم ملكة النمرود
لأكتشف سحر الموت ورياضة الماء في قارب الطوفان
كنت أحلم بالطيران
هل تعيرني أجنحتك يا لاماسو؟
أنا ــ اليوم ــ نسيت أجنحتي في دولاب جدتي سارة
الذي يذكّرني بالبئر القديمة من محلة السمقو
انا السعيد بآسمي السعيد بنقاطه السعيدة
كأنّي أتغرغر ببلاغة يوحنا فم الذهب
ولديّ من بلاغة الفردوس مسكنا
قرأت حظّه السعيد في خطوط راحة الأب الشاعر
وقرأت حظّي في خطوط راحة يدي ّقبل النوم
كي أنام هنا بلا شخير…
.
بعد أربعين طوفانا دفعتنا الريح من الخابور الى دجلة
فحرّضناه كي يخرج يونان من بطن الحوت
ونتفحص في غروبه ظلالنا
وهجرة النوم من أحداقنا
أحيانا ــ يتسلّى النائمون بصور حبيباتهم وذكرياتها
ونحن ننشغل بعبورنا الكبير من الأرخبيل الى السديم
وأحيانا ــ الى النعيم
سرقنا سرّة الأرض من يد السماء
ولم نفكك أسماءنا في المياه والتراب والنار والهواء
أرسلنا أعمارنا معلقة في ياقات قمصان أحفادنا
فتلقفتها الريح
أبتكرنا الكتابة على الرمل
عذرا سيدي ــ أنت قبلنا كتبت على الرمل
خطفنا سرّة السماء من متحف الرب ّ
وبوصلنا بوصلة الكون حيث جعلنا الجهات الأربع خمسا
فرأيناها تتهندس فوق هامة دير مار بهنام
يا الله نحن أصدقاؤك في الأرض
هل أخبرك الأب الخوري عن خطوط راحاتنا وقمحها؟
جئنا اليك نبحث عن حنطة أعمارنا في روزنامة حقلك السعيد
عن خرائط الخرائب في أخطائنا الأرضية
عن سيرة العراق في كتاب النخل
عن صنف دم النخلة في أجساد العراقيين
عن تسونامي الزرنيخ في أفواه الفقراء المنسيين
عن القيرواني وعرق جبينه الغارقبه الصليب
عن أندراوس الجميل
عن لوقا ونهاره الطويل
عن يوحنا الكلمة السبيل عن متى الشيخ
شكرا لمار متى ودوائه النبيل
شكرا لياقوت الكلام الأول
ونسيم الرب العليل.
الرماد تاريخ العالم
يطير الى الخضر الياس في ساعة النعاس
في شفق الأحد حين يرسل الملائكة أرغفتهم
لقلوب يملؤها الوساس
ويذكّرني بحفلات الذهب والفحم والماس
وبأطلس النمرود حيث ينتصب الثور المجنح
وهو يجنّح بالزمن والكائنات
وأنا منشغل بدقات قلبي أحصيها أحسبها
فيفلت منيّ جدول الضرب
وأتيه في لوغاريتمات العالم
وأتعثر وأتيه في آنكسارات روزنامة الحظوظ والكلام
قلت أذن سأبتكر نخلة لله هنا كي يطيل عمري في أرطابها
ويطيل أعمار القديسيين في سكّرها
أسرق الوقت من حلاوة تمرها الخستاوي والبرحي
أبتكر من عسلها خمرتي المعتقة وأيامي العتيقة
أبحث عن ذكريات المحرومين والضائعين في عقارب الساعة
والضالعين في ذكريات الأنس والجان والجنيات
عن حظوظ المحرومين من عقود القران
عن المطرودين من الفيس بوك وأيميل الأمبراطور ياهو
عن ذكريات الجن والجان وجن العصرية
عن كامرات الزوم لمصوري عشاق الباب الشرقي
وحديقة الأمة ومحلة مارزينا
أبحث عن صورتي وصورة جدي الشمسية في رائحة التراب الباغديدي
وشقوق حيطان بغديدي
وحينما وصلت محلة مار يوحنا أجهشت بالمطر.
فمددت كفي في خراب العالم وآصطدت عشبة جديدة
ونزلت ثانية في دجلة وبعيني اليمنى كنت أحاول لمجد الغرقى
أصحب بيدي جرس القيامة
أحمل في دشداشتي جرّة ناقورتايا
وفي قبضتي حندقوق قرياقوس
وفي طيات قميصي أخبيء صور الفاتنات
وفي عيني ّ الفراتين
وفي ذاكرتي ترنّ ذكرى الغرقى السبعة
ومن فرط حزني ولوعتي بالخلود
رحت أبحث عن عشبة كلكامش
وعن بلاغة البلاغات في سقف فم يوحنا فم الذهب
فلم آستطع آكتشاف بروميثيوس
حينها صادقت ديوجين
فرأيت كتاب الخلد بلا ضوء في نهار الأحد
وبلا قنديل في نهارات توما الأكويني
فحرّضني دانتي العظيم على الظلام
هنا رأيت زيتونة تلمع في ياقة الطير
آلتقطت عشبتي الوحيدة التي سرقتها من يد كلكامش
بعد أربعين بابل ونينوى
بعد أربعين رؤيا وقيامات وسماوات
والماء يشيد سلالة الطين
وأنا بالروح والمداد واليراع
وبلاغة الحدقة
قرأت سورة الآمين
كانت جراحي تنزّ كل جراح السنين
فرأيت حمورابي ينزل من مسلته
ويتشاجر مع الريح والنار والهواء والماء
ويهدي لسانه للعالمين
فشرعنا من رماده آية للرغيف
ةكتبنا على جلودنا تسونامي نصف صلعة العالم
وضربنا بعكازه مؤخرة الجوع والسراب
وفتحنا صرّة كنا نسيناها في بطنه
فآندلقت منها بابل وآندلق في الحال قلب العراق.
هنا حيث للبابليين عيون تفقّس فيها القناديل نجوما
بعدد نجوم السماوات
كلما أعتمت الدنيا تسلّقوها وقوفا
حتى آحترقوا وأضاءوا بأحداقهم على العالمين.
البابليون حراس الفردوس الأرضي والسماوي
كانوا يبتكرون النار من حجر الصوان
ويسلقون الحكايات من ألسنة الطيور
ويصعدون الى الله بمناجل أكفهم
ويوقدون شموع الفردوس والجلجلة
في جمعة الالام بنور أحداقهم
ويمشون بعلم الله حول قلوب آبائهم
ويتركون أحداقهم تتعقب حتى ظلال الهواء
واحيانا يودعونها ــ أمانة في ذمة أراجيح أحفادهم
وحينما يغالب عيونهم النعاس ينامون في كراسات الرسم
لأبنائهم الحالمين بالله والأنجيل والشمس والزيت والزيتون والملح والرغيف الأول والشوكولاتا
ويتعبون ولا يتعبون ..
/8/2012 Issue 4279 – Date 16 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4279 التاريخ 16»8»2012
AZP09