ديوان (عراقيات) ..يوميات وطن مهاجر (2)

ديوان (عراقيات) ..يوميات وطن مهاجر (2)
قصائد تحيل المدن إلى رموز
وفي محطات الرمز الاخرى (مدينة الصدر) تلك المدينه الصابرة المكابرة المتلفعة بظفائرها فهي رمز للمقاومة والتضحيه يعتريها الفقر والحزن المزمن فهنا انتماء صارخ للارض فهي حاضرة في جميع استعارات الشاعروتشبيهاته ومدلولاته فهي تغفو على اسرة الحزن والدموع فاستحضرالشاعر جميع الرموز الدالة للونها الجنوبي فكانت حاضرة بشدة في وجدان الشاعر فهي سكن الشاعر ويوميات عمره فقد كبرت تلك المدينه في نفسه وفاضت فلم تعد تستوعبها الاشارات العابرة وحدها فقد اعطى الشاعر لمدينته ملمحا فنيا زاخرا بالدلاله وهو التشخيص اي شخصنه (المدينة) وجعلها امرأة في وجوه متعددة يخاطبها بطرق مختلفه ومتنوعه وهذا التشخيص يتيح للشاعر حرية كبيرة في التعامل مع مدينته من خلال استحضارها بكافة تعابير الحزن والدموع
يتمتع الرمز بحضور واسع في نتاج الشاعر جبار فرحان فيكاد يطغى على غيره من وسائل تشكيل الصورة الشعرية فالرمز يخلق جوا تفاعليا بين الذات والموضوع وقد لجأ الشاعر الى الرمز بكافة انواعه ليعطى القدرة القصوى على الايحاء وشحن فضاءات القصيدة بالمضامين الدالة:
ففي قصيدة (كولن باول) وهو رمز الهيمنه الامريكيه والقبح والشرف المتهرئ والتشرد تغني عن الايغال بالسرد والتوضيح للتداعيات والاستباحات المشبوهه فقد تشبع الرمز بالمدلول الكلي وامتلئ شكل القصيدة بالمضمون من خلال دلالات الرفض الصارخ وكذلك قصيده (بوش) والتي بدورها يشـــــكل (بوش الابن) رمزا متناهيا لتداعيات العالم وانحطاطه وكذلك يمثل السياسه الخاطئه والهيمنه والتوحش:
ومن الرموزالاخرى التي تعامل معها الشاعر هو الصدر في (قصيدة الصدر) فقد منح الرمز (الصدر) زخما دلاليه وبعدا شموليا ينهض بأعباء الهواجس والرؤى والافكار ليبني قوة المضمون الواقعي واعتباره رمزا يمكن الشاعر من بناء عده صور مناسبة لهذا الرمز الذي يمثل مدلولات تفصح عن رؤيته الشعريه والنفسية فالرمز هنا مدلول معادل للانقاذ في ظل الهزيمة وعملية استحضار الرمز بكافة تمثيلاته الدينية والتاريخيه(عمامة سوداء) (الملحمة) (يزيد) (حسين) (كربلاء) للاستدلال على المقاومة والمواجهة المسلحه :
لم تعثر خطاها ابدا
وكذلك قصيده (ابو غريب) فهي رمز لمأساة الكرامة فقد استخدم الشاعر التعابير الانفعالية التي توازي بشاعة الحدث المريع مستخدما الالفاظ نابية لاستنكار الفعل ولتكوين معادلا لفظيا لردة فعل تقع على خط واحد محاولاً عرض صور الانكسار والتأوه والصمت تجاه الشرف المندلق على اروقة الزنزانات والذي لم يسلم ولم يراق على جوانبه الدم
بعولمه الافخاذ.. خبأت
خنازير الغرب .. عورتها
فانكشف الطاعون .. في ارديه
الجنود السكارى .. يلعق
على مسمع ومرآى الناعقين
عوره (ابو غريب)
تبنى الشاعر منهجيه بنيوية بموضوعاته والتي كانت تنحى بشكل واضح منحى الاتجاه الانساني لانسان الحاضر بكافه تداعياته وهمومه وارهاصاته اليوميه والتي تخرج من الاطار الخاص والذاتي وينفتح بها على هموم العام كمسؤوليه انسانيه للانسان في هذا الكون .ولهذا فقد تناول القضايا الوطنيه في ضوء انتمائه الفكري وهذا الامر جعله يطرق الموضوعات الانسانيه التي ترتبط بشكل جذري مع الوطنيه والتي تعد الحريه احدى ركائزها الاساسيه وتظهر المعاني الانسانيه بشكل واضح ليبدو كانه يناجي البشريه جمعاء ويحس بمعاناتها فجاءت قصائده تحمل معاني الحريه ضد رموز اعدائها ولا يبتعد عن تعميق رموز المعانات الانسانيه فمثلها بالسجناء والشهداء والفقراء والمظلومين ..ففي قصيدة (آذان) استحضر الدين عبر منظومه موضوعاته واستعاراته (قرانا عربيا) (المحراب) (مأذنه):
في اول خطواته
خر صريعا من غير جواب
لم تلمس قدماه الارض
بل هام بوجهه نحو الباب
يحمل مابين يديه
قرانا عربيا
كذلك قصيدة (الحلم) الذي حاول الشاعر فيها استحضار الوسائل الدفاعية (ميكانزمات) الهروب والنكوص من الواقع المؤلم لرسم معالم وطنا لا يتجلى الا في الحلم الذي اسقط عليه كافة الرغبات المكبوتة والتي ليس لها مكان في واقع فقد كل شئ الا موته فالحلم في هذه القصيدة لا يمكن البوح به فهو الاخر مكبلا محتلا لايجوز قصه على مسامع الناس مخافه تأويله فيرمى بصاحبه في قارعة الطريق:
حلمت
ان اطرد محتلا بقرارات
الاخوه الاعداء
واعود كما كنت سيدا لهذا الوطن الموجوع
اخشى ان احكيه لاهلي فأرمى في قارعة الطريق.
في خضم اجواء القصائد المفعمة بالموت والدخان ورائحه الدم يتجلى الشهيد والشهاده عبر سياق ضمني لا ظاهرا يستشف من معطيات النص عند عرض مضمون القصيدة وهذة الظاهرة تدل على ان اغلب هذه القصائد هي قصائد مكابرة وثائرة ومتحدية تنشد السمو الذي يدل على الانبعاث وما الموت الا حياة تمتد في نسغ الحياة الجديده فالموت هو خطوه نحو الامام وليس نهايه زمن والشهيد ينتمي الى النبض الباقي والحي وهو جزء من حركه التغيير وحركه التاريخ ففي قصيدة (جاءوا) كانت المكابرة والسمو على الجراح يتجليان فيها بالرغم من تركات الماضي وتداعياته فان الاحتفاظ بالقيم ضرورة لامناص منها فيحتوي النص مقاومة من نوع اخر انها مقاومة الرغبات والملذات المعروضة عبر (مقابض الستر) ورفضها ليعيش الاخرين مكبلين بعريهم:
جاءوا وماجاءوا
جاءوا يدفعهم
طمع البخلاء
وحرفه اللصوص
فاصطدموا .. بأول رجل
يحمل على كتفيه
اطنانا من التركات
ولم يزل ماسكاً.. بكلتا يديه
مقابض ستر
رجولته فلا الدم ولا الطعنات ولا الدولارات
تثلم منه شيئاً
تبنى الديوان (عراقيات) عملية مسح درامي لأحداث رسمت ملامحها على قارعه الذاكره فهي قصه بلد مستباح تركه اللصوص مشرعا على مصراعيه لكل من هب ودب فكان للموت والخوف صولات وجولات فهذا(الديوان) شاهد عصر راقب الاحداث عبرشرفات المنازل والازقه الخاليه من الماره ومن همسات الحياة بعد ان تقلد الشاعر سيفا من الخشب وامتطى صهوة مطيه عرجاء لاتقوى على المسير فكانت هذه القصائد.
كان لقصائد الديوان وهج السيف وهدير السيل صور فيها الشاعر الخلجات النفسيه المحاصره وعد الانفاس واستنشق رائحه الدم والنار والوجع اليومي كانت القصائد مموسقه على ازيز سرف الدبابات وهدير الطائرات وتآوهات الالم استحضر معاجم الموت وتعبيراتها الصريحه والضمنيه وكذلك معاجم الحروب بكافه ادواتها ولغاتها (المذياع -العبوة-الالغام -بساطيل -صحف -شارع) كدلالات رمزيه لمناخ مترع بالموت.
نجم عبد خليفة-بغداد
AZPPPL

مشاركة