ديوان (عراقيات) .. يوميات وطن مهاجر (1)

ديوان (عراقيات) .. يوميات وطن مهاجر (1)
قصائد تحيل المدن إلى رموز
الشاعر جبار فرحان العكيلي من الشعراء العراقيين المعروفين فقد رافق القصيده منذ السبعينات وحمل همومها المكابره حتى تمخضت عن ديوان (عراقيات) والذي كان على حد قوله: مشاهدات يوميه حقيقيه تجري على مسارح الجهاد العراقي الذي ادمى صحائفه نزيف الابرياء ونواح الامهات وانكسار براءة الاطفال وكذلك كان نبض الشارع الحزين وخبايا تأوهات الغضب اليومي المغمس بحر الخطـوات النافره بحيث استطاع تحويل آلام الدم اليومي الى صبر من خلال تحويل القيمه الانفعاليه الى قيمه تعبيريه فكانت تجربته الشعريه موزعه بين موضوعات عده ,يتنفس من خلالها رائحه الدم القاني وغيوم الدخان بقلب مكابر ينظر من خلال عتمه الدخان الى بريق امل واه تحدده الفوضى والضياع عبر مجموعه من القصائد المفخخه التي جاء بها الشاعرضمن بنائيه مكثفه من خلال التشخيص والذي يشير فيها الى الغاء دائره التسليم للواقع فهو يعقد الموازنه بين الضغوط التي تواجهه وبين افكاره الذاتيه والقيميه التي يشعر بها ,فقصائده تنمو وتتفاعل متصاعده بانفعاليه هي جزء من حاله الخلق الفني المعبر عن الخلجات والمشاعر التي امتلأت بها نفس الشاعر تجاه موضوعات الحياة اليومية والتي هي حالة استجابة انسانية عفوية للحدث عبر الروح الشعرية والبناء الفني فقصائد الديوان هي شظايا لمرآة واقع متردي عاشه الشاعر بموضوعيه وتنفس هواءه المزكوم المفعم بالدخان ثم اخرج الشعر زفرات انسانيه تعبر عن الفاجعه فاجعه الوطن بكل ابعادها ,ومن هنا يحق ان نسمي التجربه (ادب مقاومه)لانه يحتوي على كافه خصائص ومتطلبات الشعر المقاوم والرافض ,فهو نتاج فكري يقوم بدور الرفض والتمرد في زمن الاحتلال وكذلك يتخذ فكره التوجيه والحماس نحو صيانه الوجود والمحافظه على مقوماته العقائديه والتراثيه والاجتماعيه فقد استطاع الشاعر ان يؤسس لادب مقاومه حقيقي وخلق حاله مميزه من رفض واحتجاج وصمود وتحدي لها مضامينها واشكالها فالادب والسياسه جناحان لرؤيه الاديب الثوري والمقاوم .
-استحضر الشاعر في ديوانه- عبرصرخات احتجاجه على الواقع المتازم-كافه مدلولات التراث من اجل استنهاض الهمم واستخدام لغه الموروث الادبي والديني عبر تبنيه اللغة البسيطة والخالية من الغموض والتقعر والابهام ومن خلال اسلوب انفعالي حاد ومضمون عميق مستخدما معجما خاصا لمدن تاريخيه حاضره مستثمرا الوجه التاريخي لها لمنح النص خصوبه دلاليه:فكان استحضار مدينه النجف استحضاراً رمزياً لطقوس الدفن اليومي ومراسيم الموت ومدلولاته من جهه واستحضار مدينه النجف كرمز للامام علي (ع) من حيث الشجاعه والحريه فسيفه مازال يقلب على نار الحداد وغضبته لم تزل مؤجله فاستخدم الشاعر مدلولات الرمز الديني المكانيه والزمانيه لاعطاء القصيده زخما انفعاليا للنهوض من الركام عبر ضخ رمزيات المكان,فعلاقه الشاعر بالتراث علاقه استيعاب وتفهم وادراك واع للمعنى الانساني والتاريخي وليس تاثرا عابرا :
حينما
يشتاق وادي السلام
لطقوس الدفن اليومي
يلبس اجمل مقابره
ويعتمر المآذن
قبابا للمصلين
فالنجف مدينه يسمع صهيل تهجدها
من بعد الف الف عام واميرها
مازال يقلب على نار الحداد .. فقاره
وغضبه مازالت مؤجله
اما كربلاء فهي الاخرى احتلت معجمه المكاني لمدنه الحاضره في وجدان الشاعر فالموت في سبيل القضيه في-نظر الشاعر- هو جزء من عمليه التغيير والشهيد يمثل هذا الاتجاه اتجاه الله وانفاسه فالارض كلها بقعه مباركه لصلاة الشهاده تؤنسها مواكب الشهداء وتقف مكابره بزهوها التاريخي المضمخ بالشهاده لتنطق باسمها مزهوه بالمجد (كربلاء).
اما نص قصيده الفلوجه والتي ضمن سياق معجم مدنه الدلاليه فانه يفيض بصور الفخر والمفردات جليه واضحه متدفقه,ان الاستدلال بـ (ليس النافيه ) اشاره للفخر وليسمع العالم صوته ثم يدلف لاعطاء القصيده زخما دافقا أتى بالصوره البصريه اضافه للصوره السمعيه لاعطائها المدلول المباشر برمزيتها من خلال الموقف الحاضر او التاريخي او صوت القرار ,وكذلك بنا الشاعر الصورة الشعريه عبر التشبيه المباشر ليرسم ملامح واضحه ليوميات مدينه مستباحه يقاتل اهلها المحتل بضراوه عبر منظومه من الالفاظ الانفعاليه التي تعبر عن نفسها دون تحرج لتصف اخلاقيات محتل غاشم تشربت شخصيته بكافه استعارات الرفض والكراهيه .
اما في قصيده لندن فهي (رمز)معجمي لمدينه لا تغادر ذاكره الوعي الجمعي للتاريخ العراقي فهي رمز الاحتلال والتسلط للغزو البريطاني انذاك.
فقد استحضرها الشاعر عبر معجم النضال ورموزه ليسلط الضوء على الرمز النضالي والتاريخي للعراقيين مستثمرا الحضور التاريخي لهذه المدينه والتي اعادت السيره الماضيه لاحتلال العراق وثورة العشرين فالشاعر يقاوم ولكن ليس بقوة السلاح بل بالتحدي النفسي والفكري واستحضار الرموز التاريخيه ليخلق معادلا نفسيا للواقع المستباح فهي ليست انهزاما بل مواجه فعاله لتغييره محاولا ازاله اليأس عن سماء النص واعطاء شحنه تاريخيه تقف صامده امام رياح الاجتياح .
نجم عبد خليفة – بغداد
AZPPPL

مشاركة