ديمقراطية الكيا
الأفكار تتحاور
بعد ان عانى المجتمع العراقي من كبت وحرمان وتهميش وتظليل وفوق كل ذلك كله من القمع والتجهيل في فهم التعامل مع الحوادث التي تحيط به .لذلك بقي هامشيا سطحيا بعيدا عن القضايا والاسباب الحقيقية والموضوعية في طرح الافكار ومناقشتها ، لذلك كثيرا ما كنا نرى العراقي اما يجامل السلطة ولاسباب كثيرة منها سياسية كالخوف من الحكومة او دينية من باب عدم جواز الخروج على ولي الامر ومخالفته ، ومنها اقتصادية لتجنب قطع مصدر العيش … وغيرها الكثير . او نجده لا رأي له ساكنا منزويا ، وحتى ان سأله احدهم عن رأيه يجيب بالقول (معليه). فهو اما مجبورا او جاهلاً .
اما اليوم وبعد ان كسر طوق وسلطة الخوف واصبح المجال متاحا لإبداء الرأي في شؤون الحياة العامة والسياسية بشكل خاصة ، اخذ الجميع الفاهم والجاهل المختص وغير المختص … يدلون بآرائهم السياسية الفذة بمناسبة او بدونها حول الاوضاع السياسية ليس المحلية فحسب بل والاقليمية والدولية ، فيقول رأيه ويحلل ويفسر وفقا ( مع الاسف) للمعطيات نفسها والاسباب القديمة ، فهو مع او ضد طبقا لمصلحته ولفهمه ، او لانه يريد ان يقول الناس عنه انه فاهم . وهذا ما نراه اليوم بشكل واضح وملفت للنظر في جميع اماكن التجمع كالاسواق والمقاهي والجوامع وغيرها … والاكثر وضوحا واهتماما هو حوار وديمقراطية (الكيا) فعادة ما يجتمع عدد من الافراد بطريق المصادفة وهم يتوجهون الى اماكن عملهم متنقلين بوسيلة النقل الجماعية (الكيا) ودون سابق معرفة او تخطيط ، فيجلسون هادئين ، ولكن ما ان يرى احدهم صورة وعينة او يلاحظ حدثاً معيناً او يسمع كلاماً او عبارة معينة … فينطلق مؤيدا او معارضا ، فينبري الاخر تلقائيا معقبا ومعلقا على رأيه مؤيدا او معارضا فيحلل ويعلل ويفسر ويضيف مستشهدا بحوادث او اقوال دارت هنا وهناك او بأحد الجالسين بقربه برغم انه لا يعرفه ، فيبدأ الآخر يدلي برأيه هو ايضا ، ثم تعلو الاصوات تتحاور وتدافع ان افكار صاحبها ، وهذا حال الحوار عندنا فالغلبة لمن يرفع صوته اعلى من غيره ، ومن الطريف ان عادة ما يصل احد الركاب الى المكان الذي كان يقصده فيهتف (نازل) وما ان يفتح الباب حتى يتهم الاخرين بأنهم جميعا لا يفهمون وما خلافهم إلا لغو فارغ وان الموضوع اكبر منهم وان الموضوع ليس موضوع فلان وفلان بل هي لعنة حلت بنا نتيجة لارتكابنا المعاصي . واننا ابدا لن نتغير ( وما يصيرنه جارة) وفجاة يجيب كل الحاضرين .. نعم اي والله فتنتهي دديمقراطية الجديدة كما كانت في السابق برأي دكتاتور مستبد سلاحه الشتم والقمع ..
ريسان عزيز – بغداد
AZPPPL