دولة عدالة لا دولة قانون ـ د. أكرم عبدالرزاق المشهداني

دولة عدالة لا دولة قانون ـ د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
خبير بالشؤون القانونية والأمنية
بعد عشرة أعوام من غزو العراق، واقامة نظام حكم جديد، واجراء انتخابات نيابية، بامكاننا أن نتأمل واقع الحال في العراق الذي يسمونه العراق الجديد، وشكل الدولة ونظام الحكم الذي أفرزته السنوات العشر، ومازال الأمل المرتجى بالعدالة غائباً، وما زال هناك ظلم وقهر وانتهاك لمبادئ العدالة، بل انتهاك حتى للدستور الذي كتبوه بين ليلة وضحاها. ولسنا في حاجة الى اثبات كل حقائق الظلم والقهر، من انتهاك أبسط حقوق الانسان، ومن اعتقال تعسفي، ومن اعدامات جزافية مبنية على أحكام مستندة لاعترافات انتزعت بالتعذيب والقهر.. ومن اساءة أحوال السجناء والمحتجزين، وقرارات قضائية مصبوغة بصبغة سياسية انتقامية، وغير ذلك مما اعترفت به أركان السلطة قبل أن تطلق منظمات حقوقية دولية واقليمية ومحلية أصواتها استنكارا. فبالأمس طلع علينا الناطق الرسمي باسم وزارة حقوق الانسان العراقية ليعلن في مؤتمر صحفي أن وزارة حقوق الانسان تسلمت خلال العام المنصرم ما يقارب 500 ألف شكوى عن تعذيب في سجون ومواقف حكومية خلال العام 2012 فقط، وأن هذه الشكاوى قدمت من قبل الموقوفين بشكل مباشر أو من خلال ذويهم أو محاميهم أو قدمت من بعض المنظمات المجتمعية الخاصة بحقوق الانسان.
جور القوانين في دولة القانون؟
هناك من يرى أن دولة القانون هي ملاذ الخائفين، والمنقذ من الدكتاتورية والتعسف والظلم، وأنها القادرة على تحقيق العدالة، وهناك من يرى الضد في أن القوانين ما هي الا ارادة السلطة الحاكمة لحماية ظلمها وقهرها واستبدادها، ولنا في احتجاج ملايين المحتجين في عدد من محافظات العراق من جور القوانين و تعسف تطبيق القوانين في ظل دولة تدعي أنها دولة القانون. فالقانون هو ركيزة للظالم وحجة يرميها على خصومه ليثبت لهم أنه دولة قانون لا دولة فوضى.. ولكن القانون اذا انيط تنفيذه بسلطة غاشمة انقلب الى الضد، فبدلا من أن يشيع العدل والطمأنينة سوف يشيع الخراب والفوضى، لذلك تحتج الملايين على غياب العدالة في حكم القانون أو ما تسمى بدولة القانون.
الصلة بين الاستبداد والفقر
كثير ان لم نقل جميع الأنظمة الاستبدادية الدكتاتورية الشمولية في العالم تدعي أنها دولة قانون ودولة مؤسسات، رغم أنها تنتج الفقر والقهر والتعسف والاستبداد. فتراها تحد من حريات الأفراد الأساسية التي كفلتها لهم شرائع السماء وشرائع الأرض، بذريعة حفظ الأمن والنظام. ومن يصنع الفقر غير الاستبداد؟ حين يتحول الاقتصاد الذي يقضي على الفقر الى وسيلة في يد الدكتاتور، يراكم بها الثروات ويغدق بها الأموال على المقربين والخدام والمتزلفين والمشاركين المشركين. والدولة التي يحكمها فرد أو حزب ليس دولة قانون، انما هي دولة اكراه واستبداد وطغيان. الفرق في درجات الاستبداد لا يجعل من نسخة من الاستبداد معادلا للحرية. ليس بامكاننا أن نساوي بين حاكم يجعل من تطبيق القانون وظيفته الوحيدة وحاكم يوهم الأفراد أنه سيعمل من أجل فك مشكلاتهم المادية بطريقة أخرى غير ارساء أسس دولة حكم القانون. ليست للحرية من دولة غير الدولة التي تحفظ تطبيق القانون. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً .
تاريخ مصطلح دولة القانون
ومن المعروف تاريخياً أن مصطلح دولة القانون ظهر في نهايات القرن التاسع عشر في ألمانيا في زمن تكوين الوحدة القومية الألمانية عهد بسمارك . لذلك كان الهدف منها يتجه أساساً لتدعيم مركزية الدولة، اضافةً لعقلنتها وحسن سيرها. ولم يكتسب مفهوم دولة القانون بعده الليبرالي الا فيما بعد. وقد أخذ الفقهاء يميزون بين مصطلحين متناقضين للتعبير عن مضمون دولة القانون. هذان المصطلحان هما دولة البوليس دولة الضبط الاداري تحديداً و دولة القانون دولة التشريع . فالدولة البوليسية دولة البوليس هي التي تمتلك سلطة ادارة غير مفيدة لمواجهة الأوضاع المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية… وبالتالي تتخذ القرارات والأوامر والتدابير التقديرية اللازمة كلما اقتضت الحاجة الى ذلك مما يعني بأنها تشكل تهديداً للحقوق والحريات العامة، باعتبارها غلبت ضرورات السلطة على ضمانات الحريات والحقوق العامة كما أشرنا سابقاً . أما دولة القانون فهي التي تقيد نفسها بنظام قانوني تشريعي بالمفهوم العام . والسلطة القضائية تعتبر الوسيلة الأمثل لصيانة وحماية الحقوق والحريات. ووجود قضاء مستقل شرط أول لوجود باقي مقومات الدول والرقابة القضائية لا قيمة لها الاّ اذا كان القضاء مستقلاً. والسلطة القضائية تعتبر الوسيلة الأمثل لصيانة وحماية الحقوق والحريات. ووجود قضاء مستقل شرط أول لوجود باقي مقومات الدول والرقابة القضائية لا قيمة لها الاّ اذا كان القضاء مستقلاً.
دولة القانون عند أفلاطون
القانون فوق أثينا .. هكذا يقول أفلاطون حيث يشكل تعبير دولة القانون مصطلحاً سياسياً وقانونياً. فدولة القانون مصطلح سياسي بل شعار سياسي يعبر في الأساس عن طموح جمعي أو مجتمعي المحكومين لمواجهة السلطة الحكم . بيد أن مصطلح دولة القانون كشعار سياسي أصبح يستخدم من قبل السلطة الحكم لاضفاء صفة الشرعية التي يمثلها في مواجهة المحكومين. أي أن مفهوم دولة القانون كمصطلح سياسي يستخدم من قبل فريقين متنازعين على السلطة بشكل أزلي هما الحكام والمحكومين. ودولة القانون كمصطلح قانوني يشكل نظرية دستورية محورها تبين الانتقال أو التحول في الحكم من المشخص الى المجرد. أي بمعنى أوضح انتقال الحكم من مفهوم ذاتي أو شخصي متصل بالحاكم الملك، الأمير.. الى مفهوم مجرد أساسه القاعدة القانونية والمؤسسة.
دولة القانون مجرد
شعار سياسي
دولة القانون مجرد شعار سياسي ونظرية دستورية هدفها تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين. وهذا التنظيم يتم من خلال ايجاد علاقة متوازنة بين طرفي العلاقة. فالحاكم كأحد طرفي العلاقة وممارس للسلطة يرغب بتغليب ضرورات ممارسة السلطة. والمحكومون باعتبارهم الطرف الآخر لهذه العلاقة يرغبون بتغليب ضمانات الحقوق والحريات العامة. ولكن ضرورات ممارسة السلطة تتجلى من خلال التقييد الوارد سياسياً وقانونياً على الحقوق والحريات العامة، في حين أن ضمانات الحقوق والحريات العامة تتجلى من خلال التقييد القانوني والسياسي للسلطة. لذلك فان دولة القانون ينبغي أن تقيم التوازن بين ضرورات استقرار السلطة وبين ضمانات الحريات والحقوق العامة. فتغليب ضروريات السلطة يقود الى استبداد السلطة، وبالعكس فان تغليب الحريات الفردية على ضرورات السلطة يقود الى الفوضى. فكيف يتم التوازن بين دولة القانون ودولة الحق والعدل؟
الطاعة للقانون وليس للحاكم
في العقد الاجتماعي بين السلطة والافراد، رضي الافراد بالتخلي عن جزء من حقوقهم وحرياتهم، لصالح كيان جمعي هو الدولة متجسداً بالسلطة، بهدف تحقيق ضمان أفضل لتلك الحقوق والحريات. وان الأصل هو اطلاق الحقوق والحريات العامة وان الاستثناء هو التقييد. كما لابد من ادراك أن نوعية الحكم في دولة القانون أصبحت تتجلى في التقيد بالأحكام القانونية والخضوع للمؤسسات بدلاً من الطاعة للحكام. فالطاعة للقانون وليس للحكام هو هدف دولة القانون، أي الانتقال من المشخص الى المجرد، من الفيزيائي الى الاعتباري.
مفهوم الحكم الرشيد
لقد انتج الفكر القانوني والدستوري، مفهوماً لدولة القانون العادلة، هو مفهوم الحكم الرشيد ، أو الحكم السديد ، بل انه يمكن القول ان مفهوم دولة القانون أصبح من المسلمات، وغير كاف بحد ذاته لتقديم حكم نوعي، فنوعية الحكم المطلوبة حالياً مختلفة وتتطلب اضافة لدولة القانون حكم جيد له أبعاد تنموية. والحكم الرشيد هو مصطلح غير محدد مستخدم في أدبيات التنمية لوصف كيفية تصرف المؤسسات العامة والشؤون العامة في ادارة الموارد العامة من أجل ضمان اعمال حقوق الانسان. وهو يوصف الحكم في عملية صنع القرار وعملية اتخاذ القرارات التي وتنفذ أو التي لم تنفذ الحكم المدى يمكن أن تنطبق على الشركات الدولية والوطنية، والحكم المحلي أو للتفاعلات بين القطاعات الأخرى من المجتمع. مفهوم الحكم الرشيد كثيرا ما تبرز كنموذج للمقارنة بين الاقتصادات غير فعالة أو الهيئات السياسية التي تمر اقتصاداتها قابلة للحياة والهيئات السياسية ونظرا لأن معظم الحكومات الناجحة في العالم المعاصر تكون في الدول الديمقراطية الليبرالية تتركز في أوربا والأمريكتين، تلك البلدان المؤسسات التي غالبا ما تكون المعايير التي يمكن من خلالها المقارنة بين الدول الأخرى المؤسسات. لأنه يمكن أن تركز جيدا على المدى الحكم بأي شكل واحد من الحكم، ومنظمات الاغاثة والسلطات في البلدان المتقدمة وغالبا ما تركز معنى الحكم الجيد لمجموعة من المتطلبات التي تتوافق مع أجندة المنظمات، مما يجعل الحكم الرشيد تعني أشياء كثيرة مختلفة في سياقات مختلفة. ولقد بات موضوع الحكم الرشيد يمثل أهمية كبيرة على المستوى العالمي. حيث يمثل اليوم جزءا من توافق الآراء في الأمم المتحدة، وينص اعلان الأمم المتحدة بشان الألفية على أن الحكومات لن تدخر جهدا في تعزيز الديمقراطية، وتعميم سيادة القانون، فضلا عن احترام جميع حقوق الانسان والحريات الأساسية المعترف بها دوليا بما في ذلك الحق في التنمية، ويرتبط نجاح أو فشل جهود أي دولة في تعزيز التنمية الانسانية أو حتى احتمال توجهها نحو هذا النهج ارتباطا وثيقا بطبيعة وجودة الحكم. ويشكل اقامة بيئة سليمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة أمرا لا يمكن فصله عن نوعية الحكم التي تؤثر أيضا في النشاط الاقتصادي. والأدوات التي يمكن أن تستخدمها الدولة في الوقت الحاضر لتعزيز قدرتها قد تكون مختلفة عنها فيما مضى. وهي تشمل، حكم القانون، والشفافية، والاجراءات غير التعسفية واستقلال القضاء، والانفتاح، وبناء المؤسسات وهذه العوامل هي صلب عملية الحكم، ولها تأثير كبير على درجة الثقة التي تولدها الاقتصاديات الوطنية.
العلاقة بين القانون والحق
لا يوجد خلاف بين الحق والقانون وكل منهما ينشأ عن الآخر، فالقانون صيغ لاظهار الحقوق وتثبيتها لأصحابها، وهو يمنع الشخص من التعدي على حقوق غيره. كما أن الحق هو ثمرة وجود القانون وتطبيقه بشكل عادل وسليم. فهناك بينهما علاقة انسجام، وعلى القاضي أن يرى بحسه السليم وفطنته الذكية نداء الحق، فالحق لا يتمثل في القواعد القانونية، وانما بما تقرره هذه القواعد وتجعل من هذه الحق قوة يمكن الوصول اليها، ويوجد بين القانون والحق علاقة ترابط واتصال تجعل الحق قوة عندما يقر ذلك القانون. فهو يهدف الى تحديد الحقوق وبيان مداها وكيفية اكتسابها وانقضائها. ان الحق هو ثمرة القانون والعدالة هي الهدف الأسمى لدولة القانون. أما اذا كان القانون عبارة عن أداة لتكريس هيمنة اهل السلطة وفرض القهر على الناس، تغيب العدالة ويشعر الناس بالحنين الى الدكتاتورية التي توفر لهم الأمن والانتظام. لا يمكن لدولة القانون ان تستمر في ظل انتشار الفساد، فالدول تنتهي بانتشار الفساد بين صفوف شعبها، ورغم أن نهوض الدولة مقرون بمحاربة الفساد ونشر الوعي بين صفوف المجتمع، لكن مع الأسف ينتشر الفساد في معظم مؤسسات الدولة مما يعيق عجلة التقدم والتطور والتحديث، ويمنع النهوض.
هل يوجد خلاف بين دولة العدالة ودولة القانون؟
معلوم أن الانسان كائن اجتماعي لا يمكن أن يعيش منعزلا، بل خلق ليعيش في المجتمع، وبما أن المجتمع مجموعة من الناس فلا بد من ضوابط ونظم تنظم شؤون هؤلاء الناس وعلاقاتهم مع بعضهم لذا وجد القانون الذي يعتبر ضرورة تفرضها الحياة ولهذا قيل يوجد القانون حيث يوجد المجتمع ويقول مونتسيكيو اذا كانت السلطة التشريعية والقضائية بيد واحدة انعدمت الحرية .. ولذلك يعتبر طغيان السلطة التنفيذية على السلطة القضائية من المخاطر الكبيرة على المؤسسة العدلية، لذلك فان العدالة هي الموئل الذي نتمسك به، وهي المحطة التي تنقلنا الى طريق الاصلاح، وبالتطبيق السليم والمتجرد والعادل للقانون تنحني العدالة لتلثم جبين القانون وتشد على يده ليكون الملاذ لكل الضعفاء والمظلومين، بل لكل المواطنين الذين ينشدون العدل والانصاف وحكم الحق.
AZP07

مشاركة