دولة الأمر الواقع
ظروف مناسبة
بعيدا عن نظريات المؤامرة وأخواتها التي تلصق بالتفكير العربي وتحليلاته ، وبعيدا أيضا عن المواقف المسبقة تجاه القضايا الحساسة في الوطن العربي ، ثمة تجليات واضحة برزت خلال السنوات القليلة الماضية ، كتركيز البيئات القانونية والسياسية والاجتماعية وحتى السيكولوجية بين بعض الجماعات العرقية والقومية.
فمن الأطر الفدرالية التي بدأها العراق في دستور 2005 م ، إلى اليمن الذي أخذ بها بداية هذا العام تحت مسمى المحافظات ، وصولا إلى حالات الانفصال المباشر الذي دشنها جنوب السودان ، ومؤخرا إعلان اقليم كردستان اجراء استفتاء على الانفصال عن الجمهورية العراقية و ضمن محافظة كركوك و المناطق المختلف او متنازع عليها . وغريب المفارقات في الحالتين السودانية و الكردستانية ، إن إسرائيل كانت السبّاقة بين دول العالم دعما و اعترافا بهاتين الحالتين . في حالة جنوب السودان حرصت إسرائيل على أن تكون الدولة الأولى التي تعترف بها رسمياً ، حتى قبل قيام جنوب السودان في تقديم أوراقه للأمم المتحدة لقبوله عضوا فيها ، في محاولة لكسب اعتراف دولي جماعي بها. كذلك لم تنتظر إسرائيل بعض الوقت ، ليسارع رئيس وزرائها ، بنيامين نتنياهو ، لتقديم دعمه قيام دولة كردية شمال العراق ، واضفا سلوك الإقليم وشعبه بأنه يتميّز باعتداله وقدرته على التصرف واتخاذ مواقف مناسبة ويملك اقليم كردستان العراق الكثير من المقومات السياسية والقانونية والاقتصادية ليصبح في لحظة ما دولة مكتملة المواصفات الاعتبارية على الصعيد الدولي .
اعتبارات ذاتية
وقد ساعده في ذلك اعتبارات ذاتية وموضوعية عراقية ، أسهمت في تكريس واقع سعى إليه الكرد عقودا طويلة دون جدوى .
اليوم ، وبعد تمدّد داعش والقضاء شبه التام عليها ، خلق الكرد أمر واقع جديد ، انقضت قوات البيشمركة الكردية لتضم محافظة كركوك إليها ، بمعنى آخر اخذ اقليم كردستان قراره بالانفصال عن العراق و تأمينه العمود الاقتصادي للدولة الموعودة من نفط كركوك ، والذي له ميزة اقتصادية وسياسية ربطا ووصلا بدول الجوار و بخاصة تركيا مثلا لا حصرا . لكن ، إذا كانت مقومات الدولة قد تأمّنت ، فهل هي قادرة على الانطلاق دون مواجهة مصاعب و معوقات ؟ في المبدأ إن قيام دولة كردية في شمال العراق ، يعني أولا وأخيرا إعادة رسم خرائط سياسية جديدة في المنطقة ، و هذا ما حاول البعض تظهيره بعد بروز داعش ، واستغلال أطراف كثر للترويج له . الا ان الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة العراقية الوطنية و القوى الرديفة و الساندة لها على عصابات تنظيم ” داعش ” أسهمت في افشال المخطط الذي كان يراد منه تقسيم العراق و تمزيقه . ورغم وضع القوات الكردية يدها على الاراضي المختلفة المسماة بـالمختلف عليها أو المتنازع عليها الا انه ثمة معوقات تقف في وجه إعلان الدولة و مسيرتها .
من المعروف واقعاً ، أن الدول التي احتضنت الكرد في أراضيها ( إيران و تركيا و العراق وسوريا) ، لها مصلحة استراتيجية في عدم قيام الدولة الكردية بصرف النظر عن القدرة على مواجهتها عمليا . فسوريا و العراق مثلا لم يعد بمقدورهما التقرير في مثل ذلك الأمر ، فيما إيران و تركيا لكل منهما أسلوبه و وسائله الخاصة في هذا المجال . فتركيا مثلا تعاملت مع كردستان العراق في الفترة السابقة على قاعدة الاحتواء و عدم إثارة المشاكل ريثما ينجلي غبار المنطقة بعد ربيعها المفترض ، وحاولت كسب ود الكرد الذين يغازلون بالنفط ، غير طرف إقليمي و تحديدا أنقرة . فيما كرد إيران تم احتواؤهم حاليا ، و لم يلاحظ تحركا ملفتا لهم في الفترة الماضية .
ضم الشتات
ورغم تلك الاستراتيجيات في التعامل الإيراني و التركي مع كردستان فلهما الهواجس و المخاوف نفسها من قيام دولة كردية باعتبارها ستتمدد في غير اتجاه لتضم كرد الشتات في الدول الأخرى ، وهذا ما عبرت عنه مواقف الدولتين من اجراء الاستفاء المزمع اجرائه في 25 ايلول .
وإذا كانت مواقف دول الجوار المحتضنة للكرد لها ، مواقفها المصلحية من إعلان الدولة الكردية ، فان لمواقف بعض دول الإقليم تأثيرا واضحا في ذلك ومنها ” إسرائيل ” . من الواضح أن من مصلحة ” إسرائيل ” تفتيت و تدمير كل القوى التي تشكل خطرا عليها ، ومن بينها العراق وغيره ، وبذلك إن الدعم الإسرائيلي لم يكن دعما إعلاميا أو معنويا ، بل ثمة تقارير موثوقة حول مستوى الدعم و التدريب و الاستثمار الإسرائيلي في كردستان العراق ، وافتتاح مكاتب و قنصليات في مدن الاقليم الشمالي ، ما يعزز مقولة الذهاب الإسرائيلي بعيدا في اتجاه تظهير الدولة الكردية و دعم انطلاقتها عمليا و واقعيا .
بات من المؤكد أن العراق لن يعود إلى الوراء كما بعض مكوناته و منهم الكرد ، كما من المؤكد أن قيام الدولة الكردية بات امرأ واقعاً بصرف النظر عن المقومات و المعوقات ، لذا لابد لجميع العراقيين الشرفاء من الوقوف بوجه تمزيق العراق و تقسيمه الى دويلات متناحرة ورفض اجراء الاستفتاء و عدم قبول نتائجه مهما كانت . واذا ما اراد ابناء الشعب العراقي من اخواننا الكرد اجراء استفتاء بشأن الانفصال فيجب ان يتم في عموم العراق و يشارك فيه جميع ابناء الشعب العراقي وفي ظروف مناسبة تسمح بإجراء استفتاء نزيه واتخاذ القرار المصيري او الخطير الذي سيقلب موازين القوى محليا واقليميا ودوليا .كردستان .
سجاد بيرقدار- ذي قار