دور المشاريع السياسية بإنعاش الإقتصاد الوطني – علاء فاضل العامري

السياحة في العراق واليابان

دور المشاريع السياسية بإنعاش الإقتصاد الوطني – علاء فاضل العامري

يعد قطاع السياحة بشقيه الداخلي والخارجي من القطاعات الاقتصادية المهمة في عدد من بلدان العالم ويتأثر هذا القطاع بعوامل عديدة من اهمها الجغرافية والاستقرار السياسي، واذا مارست الجغرافية دوراً سلبياً في الحالة اليابانية كون اليابان بلد بعيد في اقصى شرق الكرة الأرضية فقد لعب عدم الاستقرار السياسي والأمني دورا سلبياً بشكل واضح في الحالة العراقية على الرغم من الموقع الجغرافي المتميز.

ربما من الصعب جداً مقارنة الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الياباني، لكن للدراسات المقارنة أهمية كبيرة في تشخيص خللٍ ما او لفت الانتباه لمشكلة معينة واكتشاف اليات لحلها من خلال خبرات سابقة.  ان ما يجمع البلدين هو الركود وتردي الوضع الاقتصادي، ومحاولة تبني سياسات ومشاريع اقتصادية جادة لمعالجة الوضع الاقتصادي، لاسيما من خلال البرامج الانتخابية والحكومية التي تجد طريقها للتنفيذ في بعض الأحيان بغض النظر عن نجاحها من عدمه في التقييم النهائي للحالتين.

مشاريع اقتصادية

يمثل ابينومكس المشروع الاقتصادي الذي بشر به وتبناه رئيس الوزراء الياباني الأسبق الذي اغتيل في الثامن من تموز عام  2022وحد من اهم المشاريع الاقتصادية التي اعتمدتها حكومات الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم منذ تأسيسه عام 1955، بل الأكثر جدلا في الأوساط الاقتصادية والسياسية اليابانية حول نجاح مجموعة السياسات التي أطلقها وتبناها وكان الهدف منها إعادة إنعاش الاقتصاد الياباني بعد عقود ضائعة من الركود وشبه توقف تام للنمو الاقتصادي في دولة تعد من الدول السبع الصناعية الكبرى.

حقق الاقتصاد الياباني انتعاش كبير في ستينيات القرن الماضي أطلق عليه المعجزة اليابانية او مرحلة النمو عالي السرعة بعد ما نبهت الى ذلك مجلة الإيكونيميست الإنكليزية في عام 1968التي اشرت ان الاقتصاد الياباني امسى الثالث بين اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، لكن ذلك لم يستمر الى الوقت الحالي اذا شهد الاقتصاد الياباني مرحلة تراجع خلال النصف الثاني من سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وهو ما دفع البعض على اطلاق مصطلح اقتصاد الفقاعة على مرحلة النمو عالي السرعة بسبب عدم استمرارها ومع دخول العقد الأخير من القرن الماضي الذي اطلق عليه بالعقد الضائع بسبب ما شهده الاقتصاد الياباني من ركود اقتصادي كبير مقارنة مع ما شهدته كوريا والصين وعدد من دول شرق اسيا من تطور ونمو اقتصادي كبير أدت الى ظهور مصطلح النمور الاسيوية مقارنة مع الاقتصاد الياباني الذي وصل الى القمة وشهد خلالها تضخماً واضحا انعكس في تراجع مستوى دخل الفرد الياباني وانخفاض الناتج المحلي.

منذ عقد تسعينيات القرن الماضي ولغاية الان يجري الحديث داخل الأوساط الاقتصادية اليابانية والباحثين المهتمين بالشأن الاقتصادي الياباني عن عقود ضائعة ليس عقد واحد، لاسيما بعد فشل جميع المحاولات الهادفة الى عودة الاقتصاد الياباني الى مرحلة النمو التي وصل اليها خلال مرحلة النمو عالي السرعة.

أسهمت الصبغة الاقتصادية للبرامج التي تبناها ابرز قادة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان منذ تأسيسه عام 1955 باستثناء مرحلة قصيرة عام 1993 وعام 2009-2012الذين اصبحوا رؤساء الحكومات اليابانية المتعاقبة كنتيجة لادراكهم بعدم وجود حل يلوح في الأفق لمعالجة المشاكل والصراعات السياسية التي لم تقدم شيء لدفع عجلة التطور وإعادة البناء في البلاد، تلك السياسة التي دشنها هياتو ايكيدا (1960-1964) وخطته التي اعلن خلالها عن سعيه لمضاعفة دخل الفرد الياباني وما تلاه في عهد ايساكو ساتو الطويل نسبيا والذي شهد نموا اقتصاديا واضحا فضلا عن تاناكا كاكوي ومشروعه الذي اعلن عنه من خلال كتابه الذي صدر بعنوان “إعادة بناء الارخبيل الياباني”. اذ عبرت تلك المشاريع عن رغبة الحزب الليبرالي الديمقراطي في تحقيق الاستقرار السياسي من خلال توجيه الامة اليابانية الى الجانب الاقتصادي لكسب المزيد من التأييد الشعبي لدعم الحزب وبرامجه الانتخابية فضلا عن رغبة الحزب والمجتمع الياباني بالنهوض من جديد بعد التدمير السافر الذي تعرض له خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما تم تحقيقه نتيجة لاسباب وعوامل داخلية وخارجية عديدة.

يبدو ان ما سبق من ازدهار لم يستمر لأسباب كثيرة أدت الى دخول البلاد في ركود الاقتصادي وتراجع دور الحزب الليبرالي الديمقراطي بعد ان اثبتت الاحداث خلال عقد الثمانينيات والنصف الأول من تسعينيات القرن الماضي فشل الحزب ومحاولاته في إعادة تحريك عجلة الاقتصاد الياباني من جديد مما أدى الى خروجه من كونه الحزب الحاكم لأول مرة في اليابان في عام  1993لتبدأ مرحلة جديدة اطلق عليها البعض مرحلة الإصلاحات، لاسيما بعد اجراء عدد من التعديلات كان أهمها تعديل قانون الانتخابات تلك المرحلة التي مثلت محاولة جادة لاجراء التعديلات على النظام السياسي الياباني والوصول الى نظام الحزبين بعد ان كان ولازال يسمى نظام حزب سياسي واحد ونصف، لكن تلك المرحلة لم تحقق الأهداف التي يتمنها الشباب الياباني على وجه التحديد اذ يرى البعض انها انتهت عام  2012بعد اجراء تغيير سريع داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي قبيل انتخابات عام 2012 اسفر عن وصول شنزو ابي الى رئاسة الحزب وفوزه بالانتخابات بعد اعلان مشروعه الاقتصادي ابينومكس الذي تبنى اجراء إصلاحات على النظام الاقتصادي الياباني ومنها: استمر تنفيذه سبعة أعوام ترك نقاش حاد داخل الأوساط الاقتصادية اليابانية والمجتمع الياباني حول مدى جدية ذلك المشروع  وأهدافه وهل تبنيه من اجل تحقيق مصلحة المجتمع الياباني الذي يعاني من صعوبات وأعباء اقتصادية كبيرة؟ لاسيما مع التضخم وتراجع قيمة الين الياباني في حين تطرف بعض المشككين للقول بان هذا المشروع جاء من اجل خدمة مصالح الشركات الكبرى الحليف التقليدي للحزب الليبرالي الديمقراطي.

رغم ما سبق يمكن القول بان ابينومكس هو امتداد لسياسة الحزب والمشاريع الاقتصادية التي تبناها خلال مرحلة النمو عالي السرعة ويمثل رغبة جادة من اجل اصلاح الأوضاع الاقتصادية في اليابان وان المشروع إعادة الاذهان الى فكرة ربط الإصلاحات والنمو الاقتصادي بسياسة الحزب ودوره المحوري كحزب حاكم في اليابان على الرغم من صعوبة الحكم على نجاحه او فشله بسبب دخول اليابان والعالم جائحة كورونا.يمثل دعم قطاع السياحة والانفتاح على العالم الخارجي والمحاولات الجادة لإعادة النظر ببعض التشريعات واستقدام قوى اجنبية عاملة أحد الأوجه المهمة لمشروع ابينومكس اذ في عام 2019) قبل الوباء)، ارتفع عدد الأجانب الذين دخلوا اليابان إلى رقم قياسي بلغ (31.9 مليون). وفي ذلك العام، أضاف قطاع السفر والسياحة، الذي استفاد أيضا من ازدهار السياحة في الصين، 359 مليار دولار أمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي لليابان، على الرغم ان قطاع السياحة لم يكون من الأسهم الثلاث التي تبناها مشروع ابينومكس وهي (التيسير النقدي، والتحفيز المالي، والإصلاح الهيكلي)، لكن سعيه لتنفيذ البرنامج الذي تبناه نبهه الى أهمية تفعيل قطاعات أخرى تسهم في مردودات إيجابية على الاقتصاد الوطني.

قطاع السياحة

تسعى المقاربة الحالية الى محاولة لفت انتباه الساسة في العراق الى تبني مشاريع اقتصادية تهدف الى تفعيل قطاعات اقتصادية شبه المعطلة لإنهاء حالة الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على النفط بشكل أساسي في العراق، ومنها قطاع السياحة الذي ممكن ان يمثل احد الموارد الهمة التي تسهم في انعاش الاقتصاد العراقي، لاسيما مع ما يمتلكه العراق من مواقع سياحية عديدة ومتنوعة (الاثارية، الدينية) الناتجة عن موروثه الحضاري الضارب في القدم (السومري، البابلي، الاشوري) وتراثه الإسلامي الثر فضلا عن مواقع سياحية عديدة أهمها الواقعة في إقليم كردستان العراق.

ان تفعيل قطاع السياحة لا يتطلب من أي دولة جهودا استثنائية وتكاليف مادية كبيرة ولا نبالغ اذا ما اكدنا بانه القطاع الاسهل الذي لا يتطلب سوى رغبة جادة من قبل الحكومة للانفتاح على العالم الخارجي دون وضع قيود او مخاوف امنية ناتجة من عقدة في التعامل مع الأجانب تعانيها بعض مفاصل الدولة بل على العكس من ذلك اثبت الوضع الدولي الراهن ان الدول الأكثر امناً واماناً هي الدول الأكثر انفتاحا ولأكثر استعداداً لاستقبال الأجانب، وهو امر لا يتطلب اكثر من تشريعات تسهم في تسهيلات تدعم الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والمهم وتوفير خدمات وتسهيلات في إجراءات منح تأشيرات الدخول للأجانب وخطط امنية لحماية وتنظيم حركة المطارات والمناطق والمواقع السياحية ودعم الشركات السياحية في البلاد ودعم عملية إقامة شراكات سياحية مع شركات خطوط جوية وشركات سياحية في دول أخرى، وهو امر لا يكلف شيء مقارنة بالمردودات المادية والاستقرار الاجتماعي والنفسي الذي يعكسه على المجتمع. (ويبقى السؤال المفتوح هل سيشهد قطاع السياحة في العراق انتعاشاً وتطوراً مقارنة بما تشهده مصر كواحدة من اهم الوجهات السياحية العالمية في الشرق الأوسط؟).

{ رئيس قسم التاريخ  كلية الاداب- لجامعة المستنصرية

مشاركة