كلام أبيض
دمعة بيروت وذهول بغداد – جليل وادي
وقع انفجار مرفأ بيروت كالصاعقة على العالم ، وتصدر نشرات الأخبار في مختلف وسائل الاعلام ، وحظي بتغطيات مباشرة من فضائيات عربية وأجنبية ، تفننت أيما تفنن في تقديمه للجمهور ، بلقطات احترافية لا يمكن لها أن تغيب عن الذاكرة ، فالانفجار كان مهولا ، وحرك من المشاعر أشدها تأثيرا في النفوس ، بالمقابل هبت الحكومات عن بكرة أبيها لتقديم المساعدات لأهالي بيروت الذين وجدوا أنفسهم في لحظة بلا مأوى ، وكانت قوافل المساعدات العراقية الأولى وصولا للمدينة ، ومع ذلك سقط اسم العراق من قائمة البلدان المساعدة ، وتداركها الجيش اللبناني لاحقا بان ذلك حدث سهوا .
وبالرغم من ان العراق لم يتخلف يوما عن نجدة أشقائه وأصدقائه مهما كان بعد الجغرافيا حتى وان كلفته تلك النجدة دماء غزيرة ، الا ان اسمه للأسف يسقط سهوا ، او يتنكر له البعض صراحة ، او يطويه التناسي ، وكثيرا ما انتظر العراقيون من هؤلاء الأشقاء والأصدقاء مواقف في مفترقات سياسية حاسمة ، لكن الانتظار ينتهى دائما الى ذهول واحباط ، والاحتلال الامريكي خير مثال ، فسرعان ما أدار الجميع الظهر للعراق ، وتركوه يسبح بالدماء على مدى عشرين عاما .
ولم يبق أمام العراقيين سوى التندر من سياسة المساعدات التي انتهجتها حكوماتنا على مدى تاريخ الدولة ، مع انهم كانوا في أحيان كثيرة أحوج لها من غيرهم ، ولست بمعترض على مسح دمعة بيروتية او دمشقية او غيرهما ، فالكرم ونكران الذات سمة عراقية ، ولا يليق بنا سوى ذلك ، لكني أطرح تساؤلا يتداوله أهلنا في أحاديثهم الخاصة : لم تزاحم العالم على مساعدة لبنان في محنته ، بينما لم تشهد بلادنا مثل هذا التزاحم مع انها تعرضت لجرائم تفوق ما جرى لبيروت أضعافا مضاعفة ؟ ، فعدد الضحايا في انفجار مرفأ بيروت بلغ (153) ضحية ، بينما جريمة سبايكر (1700) شهيد ، كما لا يمكن مقارنة ما حدث لمدينة الموصل بما حدث لبيروت ، ويذكر البغداديون ان انفجار الكرادة لوحده خلف من الخسائر البشرية ضعف انفجار بيروت ، فضحاياه البشرية بلغت أكثر من (300) شهيد .
أفهم تماما ان بعض المساعدات تأتي بدوافع انسانية وليس سياسية ، ومع ذلك لابد أن تكون لها جدوى ، وليس كما يقول مثلنا ( ……. ) .
لقد اغرم صدام بمصر ، وقدم لها من المساعدات ما لا تعد ولا تحصى ، فإحياء مكتبة الاسكندرية لوحدها خصص لها (21) مليون دولار أواخر الثمانينات ، وكان أكثر المتبرعين العرب ، وفتح أبواب العراق على مصاريعها للملايين من عمالها ، فضلا عن دعم معنوي استثنائي ، فللمصريين ما للعراقيين من حقوق ، أليس هو القائل : أي اعتداء على مصري يعد اعتداء عليه شخصيا ، وتميز تعامل العراق معهم عن سواه من البلدان العربية ، بل من الدول من عدتهم خدما ، وتلقوا منها ما لا يتلقاه العبيد من معاملة ، ومع ذلك جاءت مصر في مقدمة الدول المساندة للاحتلال ، ومررت من القرارات ما أحرق العراق ، وفي الوقت الذي يصطحب رجال أمن المطار السائح الخليجي ليمر معززا مكرما عند تأشير جوازه ، يقف العراقي ذليلا منكسرا خائفا في دولة يقول شرفاؤها ( ان لحم أكتافنا من خيراتكم ) ، نعم ، التوازنات والمصالح هي الحاكمة في السلوك السياسي ، ولكن اكرر السؤال : ما جدوى المساعدات التي يقدمها العراق ؟. نعطي نفطا بأسعار تفضيلية لهذه الدولة او تلك بناء على قرارات عاطفية وعلاقات شخصية بين المسؤولين ، وبعضها تحسبا لمتغيرات الزمان ، بينما يتحسر شبابنا على فرصة عمل تؤمن لهم حياة كريمة .
يرتبط نكران جميل العراق بسياسة خارجية بائسة وغير حريصة ، وفشل اعلامي في رسم صورة ايجابية عن بلادنا ، وهذه مهمة العلاقات العامة للدولة التي لم تخطر على بال مسؤولينا ، عموما لا نريد لمسؤول ان ( يتبرمك برأسنا ) ، لذلك يجب الحصول على موافقة الشعب لأي مساعدات خارجية تقدمها الحكومة .