دكتاتورية خلاقة
عبد الجبار الجبوري
يشتد ظلام المشهد السياسي العراقي متجها نحو الدكتاتورية والسلطوية بكل تأكيد، مما يجعل مستقبل العراق اقرب السير نحو هاوية الصراع والانفجار على نحو مريع، لشدة عمق الخلافات التي بات من المستحيل حلها بين الكتل السياسية التي تدير حكم السلطة في العراق، فالصراعات القائمة بين الكتلة العراقية قضية الهاشمي والمطلك وكتلة التحالف الكردستاني من جهة، ودولة القانون بزعامة المالكي تحديدا.
من جهة أخرى، قد وصلت إلى طريق اللا عودة، نتيجة استحواذ دولة القانون على مقاليد السلطة القضائية والتنفيذية والأجهزة الأمنية والجيش والشرطة وسيطرتها الكاملة على هذه المؤسسات، وفي المقابل تهميش وإقصاء وتهديدات الآخرين بفتح الملفات الكيدية ضد من يقف بوجه هذا الاستحواذ والتفرد في السلطة قضية الهاشمي وفرج الحيدري رئيس مفوضية الانتخابات المستقلة في العراق .
الصراعات
إذن صار من الواضح إن المالكي يتجه نحو السيطرة على كل مفاصل السلطات والهيئات المستقلة والمنظمات المدنية الشروع الآن بالهيمنة على المفوضية المستقلة للانتخابات والبنك المركزي العراقي ، بعد أن ضمن مجلس القضاء الأعلى وسلطاته وفروعه، إضافة إلى وزارتي الدفاع والداخلية والأمن الوطني، هذا الاستحواذ قد فجر الصراعات السياسية ووضع العملية السياسية في عين العاصفة ومهب الريح، فجاءت تصريحات مسعود البارزاني في واشنطن ولقناة الشرقية، لتكشف هوة هذا الصراع وانفتاحه على مواجهة سياسية منظورة بينهما، وهو ما حصل بعد عودة البارزاني وهجومه الجديد على المالكي وحكومته واصفا المالكي بالدكتاتور وحكومته بالفاشلة، فيما رد المالكي عليه بفتح ملف مفوضية الانتخابات وتوقيف رئيس المفوضية فرج الحيدري الذي ينتمي إلى حزب مسعود البارزاني، وهكذا الصراع مرشح للتصعيد الخطير بينهما تهديد البارزاني بالانفصال إذا لم تنفذ حكومة المالكي اتفاقات اربيل وعدم خرق الدستور ، وهكذا الحال نفسه مع الكتلة العراقية وتفاعلات قضية الهاشمي وفشل المؤتمر الوطني وإصرار إياد علاوي على عدم حضور المؤتمر الوطني دون تطبيق اتفاقية اربيل كاملة، وعلى الصعيد السياسي مازالت الأوضاع الأمنية تزداد سوءا والفساد يشل الاقتصاد العراقي وينخر بكل مفاصله الحكومية ودوائرها ووزاراتها، وعلى مستوى كبار المسؤولين والأحزاب المتنفذة بالسلطة، دون أن تستطيع هيئة النزاهة تنفيذ أمر قبض بحق الفاسدين والمرتشين وسراق المال العام، لوجود غطاء حكومي وحزبي نافذ يحميهم من المساءلة القانونية، ويطلق أيديهم لمزيد من النهب لثروات البلاد، في ظل هذا المشهد السياسي المنحدر نحو الانفجار القريب، تتصاعد حمى الاعتقالات العشوائية المنظمة، وفتح ملفات كيدية ولإغراض الدعاية الانتخابية وتسقيط الآخرين أمام المواطن، وهو عمل لا أخلاقي تمارسه الجهات المتنفذة في السلطة، تحت ظرف ضعف نفوذ مجلس النواب العراقي في مواجهة هذه الإجراءات اللا قانونية وتعد خرقا فاضحا للدستور الذي صار عبئا على من كتبه، وصادق عليه وأولهم طارق الهاشمي، إذن نحن إزاء دكتاتورية تمسك السلطة بقبضة من حديد، واعتقالات وملفات كيدية واغتيالات وفساد مالي وإداري وتفجيرات، وانعدام الثقة المطلقة بين جميع الكتل المشاركة في السلطة، والشعب العراقي بكل طوائفه وقومياته وقواه الوطنية يترقب هذا الخراب السياسي الذي يدفع ثمنه يوميا من حياته، بعين السخط والغضب، وينتظر بفارغ الصبر الا خلاص من الواقع المأساوي الذي خلفه الاحتلال الأمريكي البغيض بفرض حكومات لا تعير لمعاناة الشعب ومستقبله أي اهتمام، ولكن ما يشهده من صراعات على المناصب والمغانم والاستحواذ على السلطة يجعله يغسل يديه من مثل هذه الحكومات والأحزاب المتصارعة على السلطة.. إنها ديمقراطية الاحتلال الأمريكي وفوضاه الخلاقة في خلق سلطات دكتاتورية سلطوية في العراق.
/4/2012 Issue 4176 – Date 17 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4176 التاريخ 17»4»2012
AZP07