دعوة للنهوض بإقتصاد العراق
عبد الأمير كاظم الجوراني
كان الاقتصاد العراقي سابقاً مزدهراً وكان في طليعة اقتصاديات بلدان العالم الثالث. وقد وصل إلى أوج ازدهاره خلال فترة السبعينات من القرن المنصرم ، بعد قرار تأميم النفط من سطوة الشركات الاحتكارية عام 1972
بعد ذلك عاش العراقيون في فترة ذهبية لا نظير لها من الرخاء والانتعاش الاقتصادي في مختلف مجالاته وأصبح المواطن العراقي مرفهاً يرفل بخيرات بلده الزاخرة ويحسده في ذلك الكثير من مواطني دول العالم الثالث وحتى العالم المتقدم . وقد اهتمت الدولة آنذاك ببناء كل مفاصل الحياة الاقتصادية العراقية ، بما فيها الجانب الزراعي وكذلك بناء المصانع والمعامل . إلى أن بلغ التقدم والازدهار الاقتصادي ذروته ، وأصبح البلد مثالاً للازدهار والتقدم الاقتصادي والعمراني .
حينذاك شعرت الكثير من الدول القريبة والبعيدة بالقلق حيال هذا التقدم والازدهار الذي بات يسير إلى الامام بسرعة الصاروخ ، مما أثار ذلك حفيظة الدول الاستعمارية والشركات الاحتكارية فضلاً عن الدول المجاورة (وخاصة الدول الخليجية) . لأن العراق أصبح قوة اقتصادية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط لا يتمكن أحد من ان يوقف عجلة تقدمه . الأمر الذي حدا بهذه الدول إلى التآمر على العراق والسعي إلى اضعافه وتدميره وضرب اقتصاده ، وفعلاً تحقق ذلك من خلال زجّه بحرب عبثية مع الجارة إيران بتحريك من الدول الاستعمارية والشركات الاحتكارية وبدعم لا محدود من دول الخليج العربي . وكان ذلك فخّاً أعِدّ بإحكام للعراق في المطابخ الغربية وبالتعاون مع بعض الدول الخليجية . وبالفعل أكلت الحكومة العراقية الطُعْم ووقعت في ذلك الفخ ودخلت في حرب ضروس لا داعي لها امتدت لمدة ثماني سنوات حصدت فيها الأخضر واليابس وإنهار من جرّاء ذلك الاقتصاد العراقي بسبب تكاليف الحرب الباهظة التي استنزفت كل ثروات البلاد . وخرج العراق من تلك الحرب منهاراً اقتصادياً مثقلاً بالديون الكبيرة للدول الغربية وشركات التسليح المستفيدة من هذه الحرب .
وما إن نفض البلد يديه من آثار تلك الحرب حتى عادت وتيرة التآمر من قبل الدول الاستعمارية والخليجية في محاولة منها لعرقلة تقدم الاقتصاد العراقي خوفاً من انتعاشه مجدداً بعد توقف الحرب . حيث بدأت حرب تخفيض أسعار البترول ، عن طريق ضخ كميات كبيرة وفائضة عن حاجة السوق العالمي ، لغرض تخفيض الأسعار بشكل كبير في محاولة من هذه الدول المتآمرة لمنع عجلة الاقتصاد العراقي من الدوران مجدداً .
وفي خطوة مجنونة ومتهوّرة وغير محسوبة قام النظام السابق بغزو الكويت بسبب سياستها التخريبية للاقتصاد العراقي ، وكانت تلك العملية هي القشة التي قصمت ظهر البعير ، فقد انهار ما تبقى من الاقتصاد العراقي بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت من قبل الأمم المتحدة على العراق بسبب احتلاله للكويت ، وقد دامت هذه العقوبات منذ عام 1990 وحتى الاحتلال الأمريكي عام 2003 . عاش خلالها المواطن العراقي أسوأ أيامه بسبب الانهيار الكبير الذي لحق بالاقتصاد فانتشر الجوع والمرض والتخلف وانهارت البنية التحتية للبلد وأصبح العراق يُعَد من الدول الفقيرة التي تحتل المراتب الأخيرة من الناحية الاقتصادية والمعيشية.
أما بعد الاحتلال الامريكي فقد بقي الاقتصاد العراقي في أسفل القائمة بسبب السياسة الاقتصادية الخاطئة التي اتبعها السياسيون العراقيون الجدد وأصبح العراق بلداً استهلاكياً وغير منتجاً لأبسط المواد سواء كانت غذائية أم صناعية أم غيرها من المواد التي يحتاجها البلد . وأغرقت السوق العراقية بشتى البضائع الرديئة من دولٍ ومناشئ غير رصينة بسبب عدم وجود قوانين صارمة وفعالة لحماية المستهلك العراقي وغياب السيطرة النوعية كلياً بسبب المحاباة والفساد الإداري .
وبالرغم من رفع العقوبات الاقتصادية عن البلد إلا أن الاقتصاد العراقي بقي يراوح في مكانه بسبب عدم وجود سياسة اقتصادية مدروسة وناجحة لانتشال البلد اقتصادياً . بسبب انشغال الطبقة السياسية العراقية الجديدة بالحفاظ على مناصبها ومكاسبها الشخصية والحزبية التي حصلت عليها بعد دخول الاحتلال .
لذا نقول أن على الحكومة العراقية المقبلة أن تكون من أولى أولوياتها هو إنعاش البلد اقتصادياً وذلك من خلال اتباع سياسة اقتصادية فعالة وواضحة ومدروسة ، والاستعانة في ذلك بالخبرات والشركات الأجنبية فضلاً عن الخبرات العــــــــــراقية المهاجرة .
وعند ذلك نستطيع القضاء فعلياً على الكثير من الآفات التي غزت هذا البلد بعد الاحتلال الأمريكي وأهمها آفة الإرهاب التي سببت الكثير من الآلام والآهات والمعاناة للشعب العراقي . وعرقلت مسيرة البناء الاقتصادي والعمراني . فلو عاش المواطن العراقي في وضع معيشي واقتصادي جيد وتوفرت له جميع الخدمات ، عند ذاك لا يجد الإرهاب والعنف أي مكان له بين صفوفه . وسيعود العراق من جديد بلداً مزدهراً اقتصادياً وعمرانياً وفي طليعة بلدان المنطقة .
وذلك لن يحدث إلّا إذا تحلّى السياسيون العراقيون بالعراقية والوطنية وتخلّوْا عن المصالح الذاتية والفئوية ووضعوا نصب أعينهم خدمة هذا البلد وشعبه المظلوم فقط. فهل هناك آذان صاغية ؟؟؟