دجلة يصارع الموت والتزامات العراق المناخية ضحية أزمته السياسية

بغداد‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬عبدالحسين‭ ‬غزال

يضرب‭ ‬الجفاف‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬الشريان‭ ‬الرئيسي‭ ‬للري‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والمغذي‭ ‬لعدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬السدود‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمتلكه‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬تقول‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ان‭ ‬ازمته‭ ‬السياسية‭ ‬وعدم‭ ‬قيام‭ ‬حكومة‭ ‬وموازنة‭ ‬ستبعد‭ ‬العراق‭ ‬عن‭ ‬التزاماته‭ ‬تجاه‭ ‬مسألة‭ ‬المناخ‭ ‬العالمي،‭ ‬حيث‭ ‬يقع‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬منطقة‭ ‬التصحر‭ ‬

‭ ‬روى‭ ‬جنة‭ ‬عدن‭ ‬وسومر‭ ‬وبابل‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬لكن‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬اليوم‭ ‬يصارع‭ ‬الموت‭. ‬إذ‭ ‬يهدّد‭ ‬النشاط‭ ‬البشري‭ ‬الجائر‭ ‬والتغيّر‭ ‬المناخي‭ ‬بمحو‭ ‬شريان‭ ‬حياة‭ ‬عمره‭ ‬آلاف‭ ‬السنوات‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكانه‭ ‬42‭ ‬مليونا،‭ ‬ويعتبر‭ ‬مصدرا‭ ‬للحضارة‭ ‬وللزراعة،‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭.‬

بدءا‭ ‬من‭ ‬نيسان‭/‬أبريل،‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحرارة‭ ‬35‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬وتتتالى‭ ‬العواصف‭ ‬الرملية‭ ‬مغطية‭ ‬البشر‭ ‬والحيوانات‭ ‬والآلات‭ ‬بغشاء‭ ‬برتقالي‭. ‬ثم‭ ‬يحل‭ ‬فصل‭ ‬الصيف،‭ ‬موسم‭ ‬الجحيم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العراقيين،‭ ‬حين‭ ‬تصل‭ ‬الحرارة‭ ‬إلى‭ ‬50‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬وتنقطع‭ ‬الكهرباء‭ ‬بسبب‭ ‬زيادة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الشبكة‭.‬

أصبح‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬خمسة‭ ‬بلدان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬عرضة‭ ‬لعواقب‭ ‬تغيّر‭ ‬المناخ،‭ ‬بحسب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬مع‭ ‬الجفاف‭ ‬وانخفاض‭ ‬نسبة‭ ‬الأمطار‭ ‬وارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬والتصحّر‭ ‬المتسارع‭. ‬وتأثّر‭ ‬بذلك‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬الأمطار،‭ ‬وكذلك‭ ‬بسبب‭ ‬السدود‭ ‬المبنية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬حيث‭ ‬ينبع‭ ‬النهر‭. ‬وجاب‭ ‬مصور‭ ‬فيديو‭ ‬من‭ ‬وكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر،‭ ‬من‭ ‬المنبع‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬للإضاءة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬أجبرت‭ ‬السكان‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬أسلوب‭ ‬حياتهم‭. ‬تبدأ‭ ‬الرحلة‭ ‬العراقية‭ ‬لنهر‭ ‬دجلة‭ ‬في‭ ‬جبال‭ ‬كردستان‭ ‬عند‭ ‬تقاطع‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وتركيا‭. ‬هنا،‭ ‬يكسب‭ ‬السكان‭ ‬لقمة‭ ‬عيشهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زراعة‭ ‬البطاطا‭ ‬وتربية‭ ‬الأغنام‭. ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬سوريا،‭ ‬قرب‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬تركيا،‭ ‬يقول‭ ‬بيبو‭ ‬حسن‭ ‬دولماسا‭ ‬المتحدّر‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬زراعية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬فيشخابور،‭ ‬والبالغ‭ ‬41‭ ‬عاما،‭ ‬‮«‬حياتنا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬دجلة‭. ‬عملنا‭ ‬وزراعتنا‭ ‬يعتمدان‭ ‬عليه‮»‬‭. ‬ويضيف‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬انخفض‭ ‬منسوب‭ ‬المياه،‭ ‬ستتأثر‭ ‬زراعتنا‭ ‬ومنطقتنا‭ ‬بالكامل‮»‬‭.‬‮ ‬‭ ‬ويوضح‭ ‬‮«‬إن‭ ‬المياه‭ ‬تتناقص‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭. ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬كانت‭ ‬المياه‭ ‬تتدفق‭ ‬في‭ ‬سيول‮»‬‭. ‬وتتهم‭ ‬السلطات‭ ‬العراقية‭ ‬والمزارعون‭ ‬الأكراد‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬تركيا‭ ‬بقطع‭ ‬المياه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬احتجازها‭ ‬في‭ ‬السدود‭ ‬التي‭ ‬أنشأتها‭ ‬على‭ ‬المجرى‭ ‬قبل‭ ‬وصوله‭ ‬الى‭ ‬العراق‭. ‬وتؤكد‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الرسمية‭ ‬ذلك‭: ‬فمستوى‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬لدى‭ ‬وصوله‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬35‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬متوسط‭ ‬الكمية‭ ‬التي‭ ‬تدفقت‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬خلال‭ ‬المئة‭ ‬عام‭ ‬الماضية‭.‬

وكلما‭ ‬ازداد‭ ‬احتجاز‭ ‬المياه،‭ ‬قلّ‭ ‬تدفق‭ ‬النهر‭ ‬الذي‭ ‬يمتدّ‭ ‬على‭ ‬1500‭ ‬كيلومتر‭ ‬يجتازها‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يندمج‭ ‬مع‭ ‬توأمه‭ ‬نهر‭ ‬الفرات‭ ‬ويلتقيا‭ ‬في‭ ‬شط‭ ‬العرب‭ ‬الذي‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬الخليج‭.‬

ويشكّل‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬مصدرا‭ ‬للتوتر‭. ‬وتطلب‭ ‬بغداد‭ ‬بانتظام‭ ‬من‭ ‬أنقرة‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬كميات‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المياه‭. ‬وردا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬دعا‭ ‬السفير‭ ‬التركي‭ ‬لدى‭ ‬العراق‭ ‬علي‭ ‬رضا‭ ‬غوني‭ ‬في‭ ‬تموز‭/‬يوليو‭ ‬العراقيين‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬استخدام‭ ‬المياه‭ ‬المتاحة‭ ‬بفعالية‭ ‬أكبر‮»‬‭. ‬وأضاف‭ ‬في‭ ‬تغريدة‭ ‬‮«‬المياه‭ ‬مهدورة‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬العراق‮»‬‭.‬

حتى‭ ‬أن‭ ‬الخبراء‭ ‬يتحدّثون‭ ‬عن‭ ‬أساليب‭ ‬ريّ‭ ‬طائشة‭: ‬كما‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬السومريين،‭ ‬يستمر‭ ‬المزارعون‭ ‬العراقيون‭ ‬في‭ ‬إغراق‭ ‬حقولهم‭ ‬لريّها‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬هدر‭ ‬هائل‭ ‬في‭ ‬المياه‭.‬

في‭ ‬بعض‭ ‬الأماكن،‭ ‬يبدو‭ ‬النهر‭ ‬مثل‭ ‬برك‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭. ‬فالتجمعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬للمياه‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬نهر‭ ‬ديالى‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬رافد‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬بدونه،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬زراعة‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭. ‬وبسبب‭ ‬الجفاف،‭ ‬خفضت‭ ‬السلطات‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬المساحات‭ ‬المزروعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬النصف‭. ‬ونظرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬مياه‭ ‬كافية‭ ‬في‭ ‬ديالى،‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬حصاد‭.‬

ويشكو‭ ‬المزارع‭ ‬أبو‭ ‬مهدي‭ (‬42‭ ‬عاما‭) ‬قائلا‭ ‬‮«‬سنضطر‭ ‬إلى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الزراعة‭ ‬وبيع‭ ‬ماشيتنا‭ ‬ونرى‭ ‬أين‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نذهب‮»‬‭.‬

ويضيف‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬شردتنا‭ ‬الحرب‭ (‬إيران‭ ‬والعراق‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭). ‬الآن‭ ‬سنهاجر‭ ‬بسبب‭ ‬المياه‭. ‬بدون‭ ‬الماء،‭ ‬سنصبح‭ ‬نازحين،‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬مطلقا‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‮»‬‭.‬

ويتابع‭ ‬أبو‭ ‬مهدي‭ ‬‮«‬استدنتُ‭ ‬لحفر‭ ‬بئر‭ ‬عمقه‭ ‬30‭ ‬مترا،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬فشلا‭ ‬تاما‮»‬،‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬المياه‭ ‬المالحة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حتى‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬الري‭ ‬أو‭ ‬للحيوانات‭. ‬وبحلول‭ ‬العام‭ ‬2050،‭ ‬‮«‬سيؤدي‭ ‬ارتفاع‭ ‬الحرارة‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬واحدة‭ ‬وانخفاض‭ ‬المتساقطات‭ ‬بنسبة‭ ‬10‭%‬،‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬بنسبة‭ ‬20‭ ‬‭%‬‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬العذبة‭ ‬المتاحة‮»‬‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬حذّر‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬2021‭.‬

وحذّرت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬حزيران‭/‬يونيو‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ندرة‭ ‬المياه‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الزراعة‭ ‬المستدامة‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬‮«‬الدوافع‭ ‬الرئيسية‭ ‬للهجرة‭ ‬من‭ ‬الأرياف‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‮»‬‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬آذار‭/‬مارس‭ ‬2022،‭ ‬نزحت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3300‭ ‬أسرة‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬العوامل‭ ‬المناخية‮»‬‭ ‬في‭ ‬عشر‭ ‬مقاطعات‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬البلاد‭ ‬وجنوبها،‭ ‬وفقا‭ ‬لتقرير‭ ‬نشرته‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬للهجرة‭ ‬في‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭. ‬هذا‭ ‬الصيف،‭ ‬كان‭ ‬منسوب‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬منخفضا‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬وكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬صوّرت‭ ‬شبانا‭ ‬يلعبون‭ ‬الكرة‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬النهر‭. ‬وكانت‭ ‬المياه‭ ‬تصل‭ ‬بالكاد‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬خصورهم‭. ‬وتردّ‭ ‬وزارة‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬ذلك‭ ‬الى‭ ‬‮«‬الرواسب‭ ‬الرملية‮»‬‭. ‬فنظرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرواسب‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تنصرف‭ ‬باتجاه‭ ‬الجنوب‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬تدفّق‭ ‬المياه،‭ ‬تراكمت‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬دجلة‭ ‬واختلطت‭ ‬بالمياه‭ ‬المبتذلة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬صعوبة‭ ‬تدفق‭ ‬مياه‭ ‬النهر‭.‬

حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬ترسل‭ ‬آلات‭ ‬لشفط‭ ‬الرمال‭ ‬الراكدة‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬النهر،‭ ‬لكن‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬الموارد،‭ ‬توقّفت‭ ‬غالبية‭ ‬المضخات‭ ‬عن‭ ‬العمل‭. ‬وتقول‭ ‬الناشطة‭ ‬البيئية‭ ‬هاجر‭ ‬هادي‭ (‬28‭ ‬عاما‭) ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬قلة‭ ‬إدراك‮»‬‭ ‬لحجم‭ ‬المشكلة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الحكومة‭ ‬والسكان،‭ ‬علما‭ ‬أ،‭ ‬‮«‬العراقيين‭ ‬يشعرون‭ ‬بالتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬التي‭ ‬تترجم‭ ‬بارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬وانخفاض‭ ‬منسوب‭ ‬المياه‭ ‬وتراجع‭ ‬هطول‭ ‬الأمطار‭ ‬والعواصف‭ ‬الترابية‮»‬‭.‬

بقية‭ ‬الخبر‭ ‬على‭ ‬الموقع

ودرست‭ ‬الشابة‭ ‬علوم‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬وهي‭ ‬تعمل‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2015‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬المناخ‭ ‬الأخضر‮»‬‭ ‬العراقية‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الأهوار،‭ ‬لحماية‭ ‬البيئة‭ ‬ودعم‭ ‬السكان‭ ‬الأكثر‭ ‬ضعفا‭.‬

وتضيف‭ ‬‮«‬هذه‭ ‬العواصف‭ ‬الترابية‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬العدم،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬التصحر‭ ‬وقلة‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‮»‬‭.‬

وتوضح‭ ‬أن‭ ‬‮«‬نقص‭ ‬المياه‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬يزيد‭ ‬الجفاف‭ ‬وبالتالي‭ ‬التصحر‮»‬‭.‬

وكانت‭ ‬المحطة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬البيشة‭. ‬هناك،‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬العراق‭ ‬وإيران‭ ‬والكويت،‭ ‬يتدفق‭ ‬شط‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭.‬

ويقول‭ ‬الملا‭ ‬عادل‭ ‬الراشد،‭ ‬وهو‭ ‬مزارع‭ ‬نخيل‭ ‬يبلغ‭ ‬65‭ ‬عاما،‭ ‬‮«‬انظروا‭ ‬إلى‭ ‬أشجار‭ ‬النخيل‭ ‬هذه،‭ ‬إنها‭ ‬عطشى‭. ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الماء‭. ‬هل‭ ‬أرويها‭ ‬بالكوب؟‮»‬‭.‬

ويضيف‭ ‬‮«‬انتهى‭ ‬نهرا‭ ‬دجلة‭ ‬والفرات‭. ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مياه‭ ‬عذبة،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬حياة‭. ‬النهر‭ ‬مياه‭ ‬مالحة‮»‬‭.‬

مع‭ ‬انخفاض‭ ‬منسوب‭ ‬المياه‭ ‬العذبة،‭ ‬بدأت‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬تغزو‭ ‬شط‭ ‬العرب‭. ‬وتشير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والمزارعون‭ ‬بأصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬إلى‭ ‬أثر‭ ‬تملّح‭ ‬المياه‭ ‬على‭ ‬التربة‭ ‬وانعكاساته‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬والمحاصيل‭.‬

ويشتري‭ ‬الملا‭ ‬عادل‭ ‬الراشد‭ ‬المياه‭ ‬العذبة‭ ‬من‭ ‬صهاريج‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الشرب‭ ‬هو‭ ‬وحيواناته‭.‬

ويقول‭ ‬إن‭ ‬الحيوانات‭ ‬البرية‭ ‬حتى‭ ‬تغامر‭ ‬بالذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المنازل‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬من‭ ‬السكان‭.‬

ويضيف‭ ‬بحزن‭ ‬‮«‬حكومتي‭ ‬لا‭ ‬تزودني‭ ‬المياه‭. ‬أريد‭ ‬ماء،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعيش،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أزرع،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬أجدادي‭ ‬الذين‭ ‬زرعوا‭ ‬أشجار‭ ‬النخيل‭ ‬واستفادوا‭ ‬من‭ ‬التمر‮»‬‭.‬

ويعود‭ ‬نعيم‭ ‬حداد‭ ‬حافي‭ ‬القدمين‭ ‬بقاربه‭ ‬إلى‭ ‬منزله‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الصيد‭ ‬في‭ ‬شط‭ ‬العرب‭.‬

على‭ ‬أطراف‭ ‬البصرة‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬جنوب‭ ‬العراق،‭ ‬تستقبله‭ ‬إحدى‭ ‬بناته‭ ‬الخمس‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬فيما‭ ‬يعرض‭ ‬كيسا‭ ‬مليئا‭ ‬بالسمك‭.‬

ويقول‭ ‬الرجل‭ ‬الأربعيني‭ ‬‮«‬نكرّس‭ ‬حياتنا‭ ‬للصيد‭ ‬بالتوارث‮»‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬رزقه‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بإعالة‭ ‬أسرته‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬أفراد‭. ‬‮«‬لا‭ ‬راتب‭ ‬حكوميا،‭ ‬ولا‭ ‬علاوات‮»‬‭.‬

ويتابع‭ ‬حداد‭ ‬‮«‬في‭ ‬الصيف،‭ ‬لدينا‭ ‬مياه‭ ‬مالحة،‭ ‬ومياه‭ ‬البحر‭ ‬ترتفع‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬هنا‮»‬‭.‬

وبلغ‭ ‬مستوى‭ ‬الملوحة‭ ‬في‭ ‬شط‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬البصرة‭ ‬6800‭ ‬جزء‭ ‬في‭ ‬المليون،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أفادت‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬مطلع‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭. ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬نسبة‭ ‬الملوحة‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬العذبة‭ ‬ألف‭ ‬جزء‭ ‬في‭ ‬المليون،‭ ‬وفقا‭ ‬لمعايير‭ ‬المعهد‭ ‬الأميركي‭ ‬للجيوفيزياء‭ ‬الذي‭ ‬يحدّد‭ ‬مستوى‭ ‬المياه‭ ‬‮«‬المتوسطة‭ ‬الملوحة‮»‬‭ ‬بين‭ ‬ثلاثة‭ ‬و10‭ ‬آلاف‭ ‬جزء‭ ‬في‭ ‬المليون‭.‬

وأدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬هجرة‭ ‬أنواع‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬أسماك المياه‭ ‬العذبة‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بشعبية‭ ‬كبيرة‭ ‬لدى‭ ‬الصيادين‭ ‬من‭ ‬شط‭ ‬العرب،‭ ‬ما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬أنواع‭ ‬أخرى‭ ‬تعيش‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭.‬

ويقول‭ ‬حداد‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬نزلت‭ ‬المياه،‭ ‬انخفض‭ ‬الصيد‭ ‬وقلّت‭ ‬مصادر‭ ‬رزقنا‮»‬‭.‬

مشاركة