دبلوماسية اليوم: على عينك يا تاجر-د.نزار محمود

منذ‭ ‬قديم‭ ‬الزمان‭ ‬تعلمنا‭ ‬ان‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مهنة‭ ‬المحنكين‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬والأدب‭ ‬والذكاء‭ ‬الميداني‭ ‬وسرعة‭ ‬البديهة‭ ‬والسرية‭ ‬والكتمان،‭ ‬المستمعين‭ ‬والمتحدثين‭ ‬بهدوء‭ ‬ونباهة‭ ‬وقلة‭ ‬وتركيز،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يستخدمون‭ ‬العيون‭ ‬ولغة‭ ‬الجسد‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعبرون‭ ‬ويريدون‭. ‬متنوعة‭ ‬اهتماماتهم‭ ‬وماهرة‭ ‬ألسنتهم‭ ‬بلغات‭ ‬اجنبية،‭ ‬وقد‭ ‬تضاف‭ ‬اليها‭ ‬وسامتهم‭ ‬دون‭ ‬اشتراطها‭ ‬مثل‭ ‬ملابسهم‭ ‬واناقتهم‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬تناولهم‭ ‬للطعام‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬أدبه‭ ‬وصحبته‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬أشرنا‭ ‬اليه‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬مؤثراً‭ ‬في‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬عمله‭ ‬لصالح‭ ‬بلده‭ ‬وشعبه‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬علاقاته‭ ‬وجني‭ ‬ثمار‭ ‬ذلك‭ ‬التطوير‭.‬

وحيث‭ ‬ان‭ ‬مهام‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬الى،‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬حصانتها،‭ ‬جانبها‭ ‬الآخر‭ ‬المتعلق‭ ‬بالوقوف‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬معلومات،‭ ‬عامة‭ ‬وخاصة،‭ ‬بصورة‭ ‬مشروعة‭ ‬وأحياناً‭ ‬عير‭ ‬مشروعة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التجسس‭ ‬وشراء‭ ‬المعلومات‭ ‬أو‭ ‬ابتزاز‭ ‬الأشخاص‭ ‬أو‭ ‬السطو‭ ‬الرقمي،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬دفعها‭ ‬من‭ ‬منطقتها‭ ‬الخضراء‭ ‬الى‭ ‬البرتقالية‭ ‬وحتى‭ ‬الحمراء‭!‬

ومع‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وانهيار‭ ‬دول‭  ‬النظرية‭ ‬المجابهة‭ ‬للرأسمالية‭ ‬وتساقط‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وشعور‭ ‬الانتصار‭ ‬الذي‭ ‬سرى‭ ‬في‭ ‬عروق‭ ‬دول‭ ‬معسكر‭ ‬الغرب‭ ‬وفي‭ ‬طليعتهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬باتت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لدى‭ ‬الغالبين‭ ‬وبصورة‭ ‬متزايدة‭ ‬تظهر‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬وانتظار‭ ‬احترام‭ ‬وتقدير‭ ‬الآخرين‭ ‬لها‭ ‬وحتى‭ ‬الخوف‭ ‬منها‭. ‬هذه‭ ‬الروحية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬تحولت‭ ‬سفاراتها‭ ‬الى‭ ‬مقصد‭ ‬كل‭ ‬سياسي،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬وزراء‭ ‬وأصحاب‭ ‬رأي‭. ‬كما‭ ‬بدأ‭ ‬سفراؤها‭ ‬يتدخلون‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية،‭ ‬يوجهون‭ ‬ويحذرون،‭ ‬وباتوا‭ ‬لا‭ ‬يتقيدون‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬اعتادت‭ ‬عليه‭ ‬آداب‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬وبروتوكولاتها‭.‬

ان‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬مشادة‭ ‬نقاشية‭ ‬بين‭ ‬رئيس‭ ‬أقوى‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬الذي‭ ‬اعتاد‭ ‬تجاوز‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأعراف‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬والقضايا‭ ‬الدولية،‭ ‬وبين‭ ‬زيلنسكي،‭ ‬الرئيس‭ ‬الاوكراني،‭ ‬وعلى‭ ‬الهواء‭ ‬وأمام‭ ‬الكاميرات،‭ ‬يؤشر‭  ‬الى‭ ‬تغير‭  ‬كبير‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التقليدية،‭ ‬ويدفع‭ ‬بالبعض‭ ‬الى‭ ‬نصح‭ ‬الرئيس‭ ‬الاوكراني‭ ‬بالاعتذار‭ ‬رغم‭ ‬طرده‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬البيضاوي‭!‬

لقد‭ ‬أسقطت‭ ‬الترامبية،‭ ‬والتي‭ ‬سيحدوا‭ ‬الآخرون‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬والتمكن‭ ‬حذوها،‭ ‬الأقنعة‭ ‬التقليدية‭ ‬عن‭ ‬وجوه‭ ‬السياسيين‭ ‬والدبلوماسيين،‭ ‬وستظهر‭ ‬الانياب‭ ‬حدة‭ ‬قواطعها‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬الى‭ ‬إخفائها‭ ‬بابتسامات‭ ‬صفراء‭!!‬

لقد‭ ‬بدأنا‭ ‬نعيش‭ ‬اليوم‭ ‬دبلوماسية‭: ‬على‭ ‬عينك‭ ‬يا‭ ‬تاجر،‭ ‬دون‭ ‬خجل‭ ‬أو‭ ‬وجل‭. 

برلين،‭ ‬02‭.‬03‭.‬2025

مشاركة