خوشيه.. خليط جميل من الإيقاع والهواجس
يوسف عبود
بغداد
بغدادفي رواية خوشية للروائي المبدع شوقي كريم حسن نتفاجأ بتناول يختلف تماما عما عهدناه في الروايات المقروءة فاننا امام ايقاع داخلي مليء بالشجون والاحاسيس والامال والطموحات التي يطرحها بطل الرواية وهو يدعونا لمتابعة السرد بهذا الاسلوب الجديد فهو صعب جدا ويتطلب جهدا غير عادي اذ ان الرواي لا يطفو على سطح الرواية لسرد الاحداث بل يظل طيلة الاحداث يروي من اعماقها من قاعها من داخلها من هواجسها والامها وامالها وباسلوب شعري متماسك وهذا حال شخوص الرواية وكان للاية الكريمة (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فاما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى).
بالمستهل للرواية رابط متين وعند الانتهاء من الرواية تجد ان هذه الاية الكريمة ممر نحو دروب الرواية وتشرع الرواية بالمضي نحو واحات الرواية (ان انت امنت الشر طريقا غير مرغوب ابقيت غضب الرب ساكنا اما اذا ابرزت شرور الانسان واطلقت اناءها لسوف تثير غضب الله عندها تسهم في اقامة ساعة الدينونة ستكون متعجلا للامر لا موافقا له) وتدور احداث الرواية في دائرة الخطيئة والعلاقات المشبوهة فبطل الرواية احب مومسا وتعلق بها وعندما طلب الزواج منها رفضت وهذا الرفض سبب له انكساراً نفسياً شديداً وخدشاً في رجولته وظل يضمر لها في داخلة الكره لكنه لا يطرح هذا السرد كما قلت سابقا سردا اعتياديا بل انه خليط جميل من الايقاع الداخلي والهواجس النفسية ويستمر هذا البطل في دورة الحياة واثبات رجولته وسط هذا الواقع ثم يظهر من ضمن شخوص الرواية القواد الذي يعرض زوجته سلعة مبتذلة غير ابه بالقيم الانسانية ومشاعر الزوجة التي لا تشعر بوجوده كزوج او رجل تحتمي بظله ويكشف الروائي شوقي كريم في تحريك الاحداث والسيطرة عليها وكبح جماحها اشبه بفارس يمتطي جوادا اصيلا ويحكم لجامه فانه محكم السيطرة على الرواية وممسك بزمامها ولا يريد لها الانطلاق لغايته في طرح اسلوب جديد في صياغة الرواية فهو قرر ومنذ ان خط اول سطر في الرواية ان تكون روايته ايقاعا داخليا فكان البطل يحب امه اكثر من ابيه ويحس بها كانثى مغلوبة على امرها وبذات السياق وبنفس الروح والمسيرة الشاعرية لسرد الرواية ينقل لنا الراوي الحرب وويلاتها ودمارها واثارها النفسية المقيتة ونشر الموت والدمار والحزن والضياع كواقع مرفوض ونحن نغوص معه في قاع الرواية ويضعنا الروائي شوقي كريم حسن امام علاقة غريبة تنشأ بينه وبين شاكر عليوي الذي لازمه طيلة احداث الرواية وهي علاقة غريبة فهو صديق روحه واحزانه وكمحاولة وبمساعدة صديقه يتخلص من المومس بقتلها انتقاما لرجولته ورفضه هذا العالم عالم الرذيلة ولا تكتفي عملية الانتقام بهذا الحد بل يتخلص من القواد بقتله ايضا ليطلق سراح الزوجة التي عاشت وسط الرذيلة ومن الامور المهمة التي يجب ان نقف عليها ان الروائي باستخدامه هذا الاسلوب جعل الرواية مطلقة حيث احتضنت بين ثناياها اجناساً ادبية اخرى مثل المسرحية والشعر وهناك مشاهد في الرواية قريبة من السيناريو والحوار الذي يستخدم في المشاهد التمثيلية فهو يكتب بحرية مطلقة يكسر فيها قيود صياغة الرواية التقليدية كخطة نحو التجديد والمتلقي يجد في الوهلة الاولى صعوبة في الاندماج مع الرواية كما حدث لي عند قراءة الرواية في البداية الا انه ما ان ينطلق معها بصبر حتى يكتشف هذا الطرح الجديد كما اود الاشارة للعنوان فان المتلقي يظن كلمة خوشيه تعني الشقاوات الا انها عكس ذلك تماما فهي تعني حسن الاخلاق مثل (خوش ولد او خوش انسان) كما يكشف لنا الروائي قضايا خفية مثل بيع اعضاء الانسان المتاجرة بها وكان دور شاكر عليوي المتاجرة بها الامر الذي يدفع بطل الرواية الى بيع احدى عينيه بمليوني دينار ان رواية شوقي كريم حسن (خوشيه) ولوج وابحار في اعماق النفس البشرية وسط حياة تتطلب التغيير وعلى المثقف ان يقوم بدوره في هذا التغيير وكان دور الروائي التغيير.