خمس إضاءات من القوميين العرب (1)

خمس إضاءات من القوميين العرب (1)
البعض ممن يعتلي منابر الفكر بامتطاء بعض الحركات السياسية الطائفية، التي تتقنع وجه الوطنية والعدالة الاجتماعية، ويحسبون أنفسهم مفكرين بمقام الآلهة التي لا تسمع، لم يزالوا أسيري لباس فكر الحرية الأمريكي الضيق الذي حشروا أنفسهم فيه، حتى دون أن يتتبعوا أصول هذا الفكر وأسبابه ومفاعيله التخريبية في المنطقة، ولم يزالوا يحاكمون الأمور من منظاره، لعلهم حسب منطوقهم الانتهازي أن يحصلوا نهاية على بعض المكاسب، أقلها الأدبية والمعنوية بأنهم أحد رافعي لواء الحرية والعدالة في المنطقة، لذا فهم لا يفقهون، ولأنهم لا يعلمون سيخسرون، وسيقودهم فشلهم إلى أن يهيموا وراء توقعات التنجيم والغيبيات، كما بسطاء المنبوذين وكما التكفيريين والأخوان، وهؤلاء كما يلاحظ أنهم في جميع مقارباتهم رغم ادعاءهم التنويري لا يختلفون عن الأخوان المسلمين في محاكماتهم العقلية الغبية السخيفة التي رأينا نموذجها في مصر أو عن صاحبهم مرسي، ذلك في تناول مسائل الحكم الدولتية والدولية ومعالجتها، فأوقعوا شعب مصر وأنفسهم في سلسلة الانحرافات والمغالطات الفاضحة والمميتة:
بدءا من الانقلاب على الشرعية الثورية، ومحاولة إضعاف الجسم العسكري لمصر واختراقه بالإخوانية، كرمز لوحدة الشعب عقب إزاحة وصاية المجلس العسكري كحامي لثورة 25 يناير 2011/ الشعبية وإعلانه الدستوري الصادر في 30 /آذار 2011، وإصدار الإعلان الدستوري الجديد 22/ 11/ 2012 – الذي نصب فيه مرسي سيدا أوحدا وفرعونا لمصر، إلا أن ذلك قد فشل كما أثبتت الأحداث التغييرية الشعبية اللاحقة (ثورة 30 / يونيو/ حزيران)، وأكد فيه الجيش نفسه مجددا أنه رمز الوحدة الوطنية وحامي الشرعية التي مصدرها الشعب.
إلا أن آخرها كان قبل سقوطهم عبر تدخلهم في شؤون دولة عربية وهي سوريا لصالح الجماعة ومشروعها التنظيمي العالمي في تزوير فاضح وخطير للوقائع وقلبها من خلال اعتبارهم شعباً سورياً، أنه المعارضة، وأن الدولة تستبيح شعبها، مع أن شعب الدولة يدافع عن دولته، ضد من يحاولون اغتصابها، وهم العصابات، فقرر مرسي احتواء الهاربين من السوريين العاطلين مدعي المعارضة والحاقدين والانتهازيين والعملاء والخارجين عن القانون المطلوبين بقضايا جرمية، وإلى مد يد المساعدة إليهم بالإعانات المالية لإقامتهم في مصر كلاجئين، وإلى دعمهم بالمال والسلاح والرجال لتحرير سوريا حسب الزعم؟ كل ذلك لأن من افتعل الأزمة في سوريا وقيادات مجموعات العصابات المسلحة فيها، هم من الأخوان التكفيريين العاملين في سوريا لحساب المخطط الأمريكي الأوربي،
فشعب مصر كان يجابه عصابة عنصرية متخلفة تتخذ الدين ستارا وقناعا، اغتصبت الدولة، لذا فشعب مصر لم يكن تحركه ينطلق من منطق معارضة في مواجهة السلطة، وإنما كشرعية في مواجهة عصابة غاصبة متسلطة لاسترداد السلطة منها، لذا كان تحرك كل شعب مصر العظيم، والأمر في المقابل ينطبق على سوريا كونها كشرعية شعب (دولة) في مواجهة عصابات مسلحة، تقودها عصابة الأخوان وملحقاتهم، المقيم زعمائها في العواصم التي تستهدف سوريا لتخريبها وتفتيتها وإلغائها حسب مخططهم، كما حاول رفقاؤهم الأخوان في مصر تخريب مصر، لذا ليست هي لعنة سوريا، لمن يصيبها بسوء، كما يتوهم البعض من منطق تنجيمي، وإنما لعنة الحق من دمشق التي عرفت طريقه منذ الأزمنة، الحق الذي يتمثل بشعب سوريا ضد الباطل، والباطل كان دائما زهوقا ..؟
وقفة احتجاج يا عرب
مشروع الأخوان العنصري الإلغائي ..؟
– مشروع جماعة الإخوان في مصر وسوريا وبقية البلاد العربية ثابت، لم يتبدل منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، فلقد توضح جليا أن تحرك الأخوان العنفي آنذاك كان مرتبطا كليا بالمشروع الأمريكي الغربي الصهيوني، الهادف إلى إعادة الهيمنة على المنطقة عقب حرب/ 73 – اغتيالات في دمشق، ومن ثم اغتيالات في مصر طالت الرئيس السادات،
كما تبين فيما بعد أن مشروع الهيمنة العالمي هذا، كان قد سبق وأن لقي قبولا من التنظيم العالمي لجماعة الأخوان وجرى الاتفاق عليه، لتوافقه مع مشروعهم الجديد القديم الكارثي والإجرامي في تفتيت العالم العربي والإسلامي، إلى مناطق ودويلات (إمارات) عبر تفجيره من الداخل، وتهجير وإبادة طوائف من أهاليه، مقابل حصولهم على حصتهم في حكم المنطقة، لقد باعوا شعب الوطن بكل أطيافه، ولم تدخل منظمة حماس لتحرير فلسطين الإخوانية إلى المشهد العربي في لباسها المقاوم سوى تمويه تجميلي رديء سرعان ما زال طلاؤه..
فالمشروع الأمريكي العالمي هذا، قد أعيد عصرنته منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، واتخاذ القرار في وراثته، فتم بناء ارتكازاته المنطقية الفكرية (أدلجته) لاحقا على مقولتين: 1 – صراع الحضارات لصموئيل هنتجتون في عام 1993 ، القائل: بالتفوق الحضاري الغربي، وقد وضعت خرائط هذا الصراع في العالم، ومنها ما يخص الوطن العربي والإسلامي، التي وضعت جماعة الأخوان المسلمين نفسها الطرف المقابل في تنفيذ آلية هذا الصراع وإشعاله، 2 – نهاية التاريخ، لفوكوياما الأمريكي من أصل ياباني، هذا التاريخ الذي انتهى أيضا حسب زعمه إلى تفوق النظام الرأسمالي الديمقراطي الأمريكي.. فالتحق في مسيرة هذه المقولة إلى جانب الأخوان الكثير من اليساريين الشيوعيين العرب، الذين يسمون أنفسهم الآن الديمقراطيين.. ويتشاركون في هدم سوريا من أجل هكذا ديمقراطية..؟
ولقد لوحظ أن إعلان تجديد المسار لهذا المشروع الأخواني التآمري في المنطقة قد انطلق قبل شهور من أرض تركيا في تجاوز وقح لأسس التكوين العلماني للشعب التركي من قردوكان الحمار بمباركة مَن حضر من زعماء الأخوان القافزين بترتيب أمريكي إلى السلطات في بلادهم، عبر ما يسمى الثورات الربيعية، والآن نشاهد استكمال هذه الوقاحة من الممسوخ مرسي في مصر..
علما أن هذا المشروع ليس سوى إعلان فتنوي صريح، يأتي من رأس الدولة لتقسيم شعب الدول، ودفعه إلى التناحر والتقاتل، عبر تبني جماعة الأخوان: جانب العنصرية الطائفية العصبوية مقابل المواطنية التوافقية،، وتسويغ الحرب الإلغائية على قسم من شعبهم في دولهم وشعب المنطقة ممن يخالفهم في العقيدة والرأي، بتأييد ومباركة من منظومات الغرب وإسرائيل، صاحبة مفهوم هذا الصراع ومضمونه ومراميه، حرب على أقباط مصر، وحرب على الطوائف في سوريا والمنطقة، واستباحة دمائهم وأملاكهم، تلك العنصرية الطائفية المرفوضة والمدانة من اغلبية شعبهم الوطني في دولهم ذاتها والمنطقة، والمخالفة لما تضمنته بنود شرعة حقوق الإنسان العالمية، التي منها (حق الحياة وحق الاعتقاد)، ويأتي ما أعلنه مرسي الأخواني مؤخرا وأكده من (استاد القاهرة) مزهوا وسط خلانه ومحازبيه من المطاربية والمطايبية وعشيرته العنايزية المعاءة، في هذا السياق التابع لايديولوجيا الصراع الغربية التدميرية، لذا فلا لبس ولا اشتباه في ما يفهم من إعلانه المسرحي ودلالاته: بعدم اعترافه بشعب سوريا ودولته وحكومته، عقب مهزلة مؤتمر التكفير.. ذلك إذا وضعنا جانبا ما سيرافق هذا الإعلان من تداعيات كارثية وحروب مستدامة، تجسده..؟
عادل سمارة – بغداد
AZPPPL