خطوات الإدراك وعناصره ـ د.مهند العزاوي
تعتمد الدول المتقدمة على بيوت الخبرة ومراكز الدراسات والكليات والجامعات في معالجة المشاكل والازمات والظواهر التي تعترض مسيرة التنمية، وفي الغالب هناك مجالس استشارية تحدد طبيعة تلك المشاكل من خلال البحث والدراسة الاولية للتشخيص ثم يتم اناطت المسؤولية الى اقسام الدراسات والمراكز المرتبطة بها لغرض البحث عن حلول منطقية ناجعه تعالج تلك المساكل وفقا للطرائق العلمية وسياقات البحث العلمي والفكري معا، ولابد ان يكون المعني بالموضوع على المام كامل لفلسفة البحث والدراسة والتي تستوجب منه الخروج باستنتاجات منطقية تقود لتوصيات فاعلة تتانسب مع الامكانيات المتاحة لحل المشاكل والازمات ولاجل ذلك ستكون هذه المادة العلمية التدريبية منهاجا سبق وان اثبت نجاحه في دورات سابقة وبمعدل 90 ولاجل ذلك جرى تحديثه واعتماده كمادة اساسية
الفرد ومحيطه التفاعلي
يواجه الفرد في حياته مشاكل متعددة، وأمور غامضة، وازمات تحتاج الى معالجة، وكون الفرد عنصرا متواجدا في المحيط التفاعلي الوظيفي والمؤسساتي والعلمي، فانه يعتمد في صناعة القرار واتخاذه على البحث والتقصي والكتابة المنهجية، وذلك بتطويع المعلومات المستحصلة والمتيسرة لدراسة وتفسير الظواهر والاحداث المحيطة به والتي تتلعق بمجالات اهتمامه الوظيفية وباستخدام المنهجية العلمية والطرائق الفكرية المنتظمة باسلوب والتي تحقق الحداثة للخزين المعرفي الانساني وتؤمن التفسير المهني للبحث.
الادراك المهارة المتقدمة
في التفسير
يفترض الادراك المهارة المتقدمة في التفسير للظواهر والأمور الغامضة التي تحيط بالمجتمعات ولعل المحلل بأمس الحاجة الى تطبيق فلسفة الادراك باستخدام التفكير المنطقي المنهجي المسند بالبيانات والمعلومات الواردة والمستحصلة، وقاعدة البيانات المتوفرة والمحدثة، ليحقق افضل التحاليل والتفاسير للاحداث والظواهر في مسارح التفاعل السياسي، وتفكيك بيئة التحريض المجتمعي ذات الدوافع السياسية المغرضة والوافدة من خارج الحدود ومعرفة الادوات الساعية لخلق الاضطراب الامني، ففي هذه البيئة المليئة بالمثيرات يساعدنا الادراك على تصنيف وتنظيم ما نتلقاه، فنتصرف وفقاً لتفسيراتنا للحقيقة التي نراها وندركها، وكثيراً ما تكون نفس الحقيقة التي نراها غير الحقيقة التي يراها أو يدركها الآخرون، وهذا يبعدنا عن حقيقة التفسير المتعلق بالمخاطر السياسية والامنية والاجتماعية المحتملة الوقوع، خصوصا اذا جعلنا من العاطفة والرأي الشخصي والجزم معيار للتفسير ، فقد ينظر الناس لنفس الشئ لكنهم يختلفون في ادراكه ولن يفسروا كما يفسره اخصائي الفكر
الادراك والتحليل
يفترض ان يدرك المحلل السياسي شكل التهديدات والتحديات الناجمة عن الازمات والظواهر المتفاعلة، ويفسر مخارجها اكثر من غيره، ويتخذ القرار الذهني السريع في معالجة أي فقاعه او مشكلة، وينتج مخرجات منهجية تحد من تطورها الى ازمة متفاعلة، وهذا يعتمد على ادراكه وتفكيره بشكل منطقي علمي مهني وبتوظيف مخزون المعلومات المتاح والمستحصل، وقد يختلف من محلل الى اخر في ادراكه للأحداث وتفسيره لها وصنع القرار المناسب لمعالجتها، وبالتأكيد كل حسب الصلاحية المخولة له، وكل اخصائي سياسي او عامل في المحيط المؤسسي يشغل ازدواجية صنع القرار واتخاذه، فإن العامل في المحيط الدبلوماسي متخذ قرار عندما يتعلق الامر بمعالجة حادثة ما ضمن الصلاحية المخول بها، بينما هو صانع قرار عندما يكون ضمن التفاعل السياسي الوزاري او ممثلا لدولته مخول في قضية ما، وكذلك المدير في خصوص نطاق عمله وادارته المباشرة هو متخذ قرار ضمن السياقات العامة بينما يكون صانع قرار ضمن محيطه التفاعلي ضمن الوزارة او الجهاز الدبلوماسي،وهكذا جميع القرارات المتخذة تخضع لفلسفة الادارك والتفكير والمعلومات والتي تصنع التحليل الناجع والموضوعي في معالجة الاخطار والتهديدات الحالية والوشيكة والمحتملة.
مفهوم الادراك
يقول د. محمد اسماعيل بلال
1 ــ لعلنا نتفق جميعاً أننا نعيش في عالم معقد ومركب حيث نتعرض ما بين لحظة وأخرى للعديد من المثيرات، وقد يظن البعض أن هذا يفرض التعامل التلقائي والعشوائي مع هذه المثيرات الا أن الواقع يشير الى أننا لا نستجيب أو نتعامل مع هذه المثيرات أو نختار من بينها بشكل عشوائي وانما من خلال عمليات محددة ومنتظمة يطلق عليها العلماء الادراك.
يعرف البعض الادراك بأنه العملية المعرفية الاساسية الخاصة بتنظيم المعلومات التي ترد الى العقل من البيئة الخارجية في وقت معين .
ويمكن تعريف الادراك الاجتماعي بأنه العملية المنوطة بفهم الآخرين، وأيضاً الممارسات التي تؤدي الى توليد استجابة Making sense لمثير معين كما يمكن التعامل مع الادراك باعتباره عملية استقبال وتنظيم وتفسير وترجمة المدخلات التي ترد الى الفرد من البيئة المحيطة حيث يتم عمل مقارنات وتفاعل بين ما يرد من معلومات أو بيانات وبين مثيلاتها المخزون في الذاكرة على نحو يؤدي الى سلوك محدد .
ويقول د. أحمد سيد مصطفى
2 ــ الادراك هو عملية استقبال وانتقاء وتفسير لمثير أو أكثر في بيئتنا المحيطة، فنحن نرى من نخالطهم أقاربنا وزملاءنا وأصدقاؤنا ورؤساءنا، ونستمع لما يقولون ونتلقي معلومات ومثيرات من مصادر شتى محيطة بنا فنستقبلها وفقاً لقدرات حواسنا، ثم نفسرها وفقاً لدرجة وضوح واكتمال وجاذبية هذه المعلومات أو المثيرات، وكذا وفقاً لحاجاتنا ودوافعنا وتوقعاتنا وخبراتنا السابقة.
يمكننا القول بان الادراك هو الفهم الواسع للظواهر والأحداث المختلفة وكيفية تفسيرها بموضوعية تتسق بالواقعية الحيادية بالاستناد على الوقائع الظرفية وسير الاحداث والتأصيل المعرفي3 والعلمي والوصول الى مخرجات متقاربة مع المتغيرات التي ممن المتوقع حدوثها 4 ويبرز هنا العامل المشترك للتعاريف بان الانسان وحواسه ومقدرته ومهاراته وتحديث معلوماته في مخزونه المعرفي يعد العامل الاساسي في تحقيق الادراك والفهم والتخطيط والتحسب لمجريات الاحداث وعواقبها ومضاعفاتها والتي تتطلب معالجتها.
خطوات الادراك
هناك خطوات أساسية في الإدراك وهي
1 ــ تبدأ عملية الادراك بشعور الشخص بالمتغيرات ضمن المحيط التفاعلي سواء كانت خارجية ام داخلية الشعور بالمتغيرات
2 ــ تتسلم الحواس الفاعلة من خلال السمع والبصر، واللمس، المتغيرات وتحولها الى مخ الانسان لتعالج من قبل المخزون المعرفي للشخص الاستقبال والمعالجة .
3 ــ يتم تحويل المشاهدات والاحساس بالمتغيرات الى وصف باستخدام المصطلحات والمفاهيم والمعاني التي تترجم تلك المتغيرات ترجمة الرسالة الى مصطلحات ومفاهيم .
4 ــ تنظيم وتنسيق المعلومات الواردة وتبويبها حسب الاسبقية ومعالجتها مع المتيسر في المخزون المعرفي بناء على المخزون من خبرات وتجارب سابقة في ذاكرة الفرد، وهذا يعني الخبرات والتجارب السابقة للفرد والمعلومات المخزونة في ذاكراته مقاربنة ومقاربة الرسالة مع التجارب .
5 ــ تفسير الظواهر والأحداث بناء على خلاصة الانتاج المعلوماتي وتوصيفه المفاهيمي. والخروج بأكثر من مسلك يؤدي لتفسير منطقي موضوعي ــ الوصول الى مخرجات منطقية
6 ــ الخروج بمسالك متعددة يناقش فيها الكلفة والمردود والتاثير والنتائج المضاعفات.
7 ــ القرار على اكثر المسالك احتمالا والذي يخضع الاحداث والظواهر لفلسفة التأثير انتخاب المسلك الاكثر فائدة في المردود واقله بالكلفة .
8 ــ وضع المقترحات التي من المتوقع انها تتسق مع المعالجات الناجعة
9 ــ صياغة الفلسفة الادراكية برمتها على شكل بحث وبتسلسل منطقي يقود الى التفسير الصحيح لموضوع البحث
عناصر عملية الإدراك
تشكل العناصر الثلاثة أهمية كبيرة في ادراك كافة الظواهر والممارسات والأحداث ومن تلك الأشياء أو المثيرات المادية مثل الحرب النفسية والاعلامية وكيفية رسم صورة مضطربة للاحداث وتضخيمها او التبسيط المتقن او شيطنة الدولة والنظام لخلق موقف راي عام يحقق تمرير أي قرار سياسي، وكذا الأحداث أو المثيرات الاجتماعية، عندما نمارس الادراك الاجتماعي فندرك الآخرين وسلوكياتهم تتكون عملية الادراك من ثلاثة عناصر رئيسية هي
ــ الاحساس والتصور.
ــ الانتباه والحذر.
ــ التفسير المنطقي.
الاحساس والتصور
يحيط بأخصائي السياسة محيط تفاعلي متعدد ليس النسق الوظيفي فحسب بل مختلف المثيرات البيئية، وأحيانا لا يعي معظمها أو يدركها، او يتجاهلها عن عمد او كسل، او باستخدام حسن النية، وهذا مخالف لقواعد التحليل السياسي والتي تؤكد على ضرورة تميز المحلل باستنفار الحواس في تعقب وتفسير الظواهر كافة لان حواسنا التي تستقبل المثيرات هي النظر والسمع والشم والتذوق واللمس الا أن لهذه الحواس طاقة محددة ومع ذلك تختلف قوة الحاسة من شخص لآخر أحياناً، ولدى نفس الشخص من فترة لأخرى ولذلك لابد ان يكون المحلل السياسي يتمتع بقابلية التصور المصحوبة بنزعة الشك المنطقي.
الانتباه والحذر
برغم قدرتنا على الاحساس بكثير من المثيرات البيئية، الا أننا لا نلتفت اليها كلها، بل ننتبه لبعضها ونتجاهل بعضها الآخر، اما لأنه غير مهم في نظرنا أو لأننا لا نريد رؤيته أو سماعه، وهكذا نمارس انتباها انتقائياً لبعض المثيرات، وحتى ما ننتبه له فقد لا ندركه على حقيقته وبشكل كامل بل قد ندركه على خلاف حقيقته أو بشكل جزئي مما يفقدنا قاعدة الحذر التي يستوجب على المحلل السياسي ان يعمل بها، مما يستوجب ان يكن متيقظا منتبها ويتخطى الاخرين بالمقدرة الذهنية والانتباه للسلوكيات التمهيدية التي قد تصدر من على شكل خطاب سياسي او ظاهرة متفاعلة او سلوك دولة مفاجئ او قرار غير متوقع لحالة ثابتة او متغيرة.
التفسير المنطقي
تتضمن عملية الادراك تنظيم وتفسير الامور الغامضة والظواهر الوافدة المتسللة الى المسرح المجتمعي والمثيرات المتغيرة التي نحس بها، وعندما ننتبه فاننا نحاول أن ننظم ونصنف المعلومات التي نتلقاها لتفسيرها وندركها بمعنى معين وفي عملية الادراك نحاول تفسير المثيرات وهذا يتطلب تنظيم ما استقبلناه لنخرج بتفسير منطقي مسند بالمعلومات والتفكير المنطقي للحصول على استنتاجات منطقية تحقق غاية التحليل المطلوب.. تبرز اهمية الاداراك والتفكير والمعلومات كعناصر متلازمة متماسكة تعمل على شحن الذهن بالتفاسير المطلوبة لحالات الغموض الابهام في تفسير الظواهر السياسية وازماتها المتفاعلة ووتشكل المهارات القاعده الاساسية التي تسبر غور العلم والمعرفة وتطويعها لرسم الصورة الحقيقية التي لابد ان ليغفل عنها صانع القرار ليضع متخذ القرار على بينة من امره ويقوده الى اختيار المسلك الافضل والاكثر مردودا والاقل كلفة وتأثير.
المفكر الدكتور مهند العزاوي
مقتطفات من كتاب فن التحليل وصنع القرار
1 ــ أد جامعة دمنهور مقال منشور ــ الادراك… مفهومه وأهميته وخطواته.
2 ــ أستاذ الادارة ـ جامعة بنها ــ أستاذ الادارة الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري
3 ــ المعرفة هى أساساً مجموعة المعانى والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية التى تتكون لدى الانسان نتيجة لمحاولات متكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به، تمثل حصيلة أو رصيد خبرة ومعلومات ودراسة طويلة يملكها شخص ما فى وقت معين وهي حصيلة الامتزاج الخفى بين المعلومة والخبرة والمدركات الحسية والقدرة على الحكم. نتلقى المعلومات ونخرجها بما تدركه حواسنا. المعلومات وسيط لاكتساب المعرفة ضمن وسائل عديدة كالحدس والتخمين والممارسة الفعلية أنظر ديبونز، أنتونى. استرهورن، تعريب أحمد أنور بدر ومحمد فتحى. القاهرة، دار قباء.
4 ــ الدكتور مهند العزاوي اعداد البحوث الدراسات كتاب الكتروني 2012..
AZP07