خطاب الجهل والتجهيل

خطاب الجهل والتجهيل
صباح علي الشاهر ــ لندن
لم يشهد العراق في تأريخه الحديث علاقات سويّة بين مثلث الأزمات ايران، العراق، سوريا ، فإذا كانت العلاقة سيئة مع ايران، فهي حسنة مع سوريا، واذا كانت سيئة مع سوريا، فهي حسنة مع ايران، والأفضل أن تكون علاقة العراق بايران وسوريا معاً سيئة، وهذا ما كان فعلاً، بهذا تنعدم كلياً فرص خلق علاقات اقتصادية بأبعاد ستراتيجية تضمن المنافع المتبادلة ومنها الربط السككي، ومد أنابيب النفط والغاز، وخطوط الكهرباء، وبناء منظومة للتعاون الاقتصادي والأمني، تنفتح على الشرق الواعد، وتضمن خلق وديمومة الظروف المؤاتية للتنمية المستقلة المستدامة، وتوطد السلم والأمن في المنطقة
وهذا أمر لا علاقة له بالصراع القومي أو المذهبي، كما يزعم البعض جاهلاً أو مُتجاهلاً، فأقوام المنطقة من عرب وفرس وأتراك، وأكراد، وغيرهم، بكل طوائفهم ومذاهبهم، بنوا واستظلوا بحضارة واحدة أسهموا هم جميعا في خلقها، ولم يشهد تأريخ المنطقة أن الترك حاربوا العرب لأنهم عرب، وأن العرب حاربوا الفرس لأنهم فرس ، وأن الأكراد حاربوا أياً من هذه الأقوام لأنهم عرب أو فرس أو ترك، وكل الحروب التي جرت في المنطقة حروب سلالات حاكمة، لم تتذرع، على الأقل ظاهرياً بالقومية، وانما تذرعت أحياناً بالمذهبية كالحروب بين العثمانيين والصفويين، وهي في حقيقتها لم تكن كذلك. لقد اتفقت القوى التي هيمنت على المنطقة في ظروف خاصة أن لا يتم الانسجام بين عناصر هذا المثلث، وأن يظل مثلث أزمات، تتفجر الصراعات فيما بين أضلاعه عند اللزوم والحاجة، أما الذرائع فعلى قفا من يشيل ، وأرادت أن تستمر هذه الهيمنة الى ما شاء الله، وهذا هو المُستحيل بعينه، اذ أن دوام الحال من المُحال، فالعالم اليوم، هو غيره يوم أنشب الاستعمار مخالبة في جسد العالم الذي أسموه، من دونما مسوغ جغرافي أو تأريخي بـ الشرق الأوسط ، والذي أرادوا تجديدة الآن وفق متغيرات حسبوها، ولم يتقنوا الحسبة . أمر مثير للسخف أن يكون اختلاف المرء عن غيره في المذهب أو العقيدة أو العرق مدعاة للعداء والاحتراب، وأكثر سخفاً وهزالاً أن يكون انتماء المرء الى عرق ما، أو قومية ما، مثار التحقير.
أمر يحتاج الى ماهو فوق الفهم، أن يكون الانتساب الى العرب، مثلبة ومنقصة، اذ يشير المتعصبون في تركيا وايران للعربي بقولهم عربجة وهي مفردة يُراد منها التحقير، وتقليل الشأن، وليس أقل بلاهة، وانعدام عقل، أن يُحتقر الانسان لانتسابه للفرس، أو الترك، فيقال فارسي أو تركي، عثماني ، مع قصدية التحقير واقلال الشأن، مع أن للفرس حضارة عريقة يعترف بها الجميع، وللأتراك مساحات في سجل التأريخ ينظر لها بفخار، ولعل من أكثر النعوت خبالاً نعت أمة مسلمة، كانت من أوائل الأمم اعتناقاً للاسلام، بعد العرب، ومن أكثرها اثراء للفكر الاسلامي وللحضارة العربية الاسلامية بالمجوس.
فاذا كان الفرس مجوساً قبل الاسلام، وهي ديانة لها أصولها وأسسها، ولعلها أغنى الديانات بعد الديانات السماوية في حينه، فماذا نقول عن العرب، الذين كانوا يصنعون آلهتهم وأربابهم من عجوة تمر، ثم اذا مسهم الجوع أكلوها؟. أي مُعتقد مثار للهزء، ومدعاة للسخرية، ذاك أم هذا؟
والغريب أن الذين يتحدثون بهذا النفس، التقسيمي، الاحترابي، الذي سيجلب لأمة الاسلام الدمار، يدعون الاسلام والتمسك به. أليس من الحصافة أن نتساءل ماذا ستكون النتيجة لو أننا فسحنا المجال الى الاحترابات المذهبية، والعرقية، في أمة تعددت مذاهبها، بأكثر مما تعددت قومياتها وأجناسها؟
الى ماذا سيقود مثل هكذا خطاب؟ هل سيقود الى وحدة الأمة، أم الى تمزيقها؟ هل سيوسع قاعدة المسلمين، أم يقلصها؟
وما هي مصلحة المسلمين لو أخرج من الاسلام الفرس بذريعة جذورهم المجوسية قبل الاسلام، أو حكمهم من قبل سلالة تركية الأصل هي السلالة الصفوية، أو اذا أخرج الترك بذريعة العثمانية، أو العديد من الهنود، وسكان جنوب شرق آسيا بذريعة تبنيهم لمذاهب أو طرق لا نقتنع بها نحن أبناء الجزيرة، أو المنحدرين منها، وتتلاءم مع ما جبلوا عليه؟
لماذا يكون الله لجماعة تنصب نفسها حامية له، وكلنا مسلمون وغير مسلمين، أصحاب ديانات أم ملحدين بحماية الله الذي خلقنا، وهو الذي يقدر حياتنا ومماتنا؟
أفهم أن يحمي الانسان أرضه وعرضه، وطنه وأمته، حلاله وماله، ولكن لا أعرف كيف يتجرأ انسان فيدعي أنه يحمي الله؟
ولماذا يستسهل البعض سب واهانة أمم، والتحريض عليها، الا ينخرط هذا في خانة اثارة الكراهية بين الأمم والشعوب، وهو مما يستوجب الادانة، ليست اللفظية، وانما الجنائية؟
لماذا لا يبيح الغرب، أي تعرض ولو بالاشارة، حتى في مجال البحث الأكاديمي لجماعة معينة، ويعدها عداء للسامية تستوجب العقاب الصارم وفق قوانينهم، ولا يُقال شيء عن جماعات تفطر حقداً وكراهية وتتغدى دماً مسفوكاً، وتتعشى مع ملائكة الله الصالحين؟
واذا كان الذين يختلفون في المذهب يقتلون، فماذا عن غير المسلمين، والذين لا يدينون بأي دين؟
تُرى في أي وقت ومرحلة، كان المسلمون على مذهب واحد؟ وما هو هذا المذهب الواحد الذي أجمع عليه المسلمون عبر التأريخ، ليتم تبنيه الآن، ومن قبل المسلمين جميعاً، هل يعقل أن يكون مذهب محمد بن عبد الوهاب ؟ .
أيكون محمد بن عبد الوهاب الخاتم الذي أبطل ما قبله، والذي أنهى الحاجة لأي اجتهاد بعده، والذي لم يترك لقائل ما يقوله؟
فيما مضى كان أي تحريض أو أي تهيج من متعصب، عربياً كان أم غير عربي، سنياً كان أم شيعياً، يظل حبيس القرية، أو الديرة، أو المجلس الذي انطلق منه، أما الآن فان مئات، وربما آلاف وسائل الاعلام المرئية، والمقروءة، تتسابق لنقل أي كلام، حتى ذاك المخدش للحياء، الى أرجاء العالم كله، وبرمشة عين، لغرض السبق الصحفي، أو لأغراض أخرى ليست بريئة أبداً. كان الشاه نظرياً حامي المذهب الشيعي، وكذلك والده، لكن هذا لم يمنع بناء أقوى العلاقات مع العراق الذي كان سنياً، وتركيا السنيّة، وتحالفهما فيما سُمي بحلف بغداد، بمواجهة الشيوعيّة والالحاد، كما لم يمنع الحكومة السعودية المعتمدة على مرجعيّة المذهب الوهابي السلفي، من أن تكون أقوى حليف لشاه ايران.
كان العراق أثناء حكم صدام حسين سنيّاً، لكن هذا لم يمنع السعودية، ودول الخليج من أن تكون جسراً لمرور، وعبور القوات الأجنبية لأسقاط الحكم السني.
وكانت مصر عبد الناصر، المعادية للاستعمار والصهيونية ضد ايران الشاه العميلة للغرب، والصديقة لاسرائيل، في حين كانت مصر السادات التابعة للغرب، والمهادنة للصهيونية، ضد ايران الحكومة الاسلامية المعادية للغرب واسرائيل.
ايران هي ايران، لم يتغيّر مذهبها، ولا فارسيتها، زمن الشاه، أو زمن الحكومة الاسلامية، لكن الموقف منها تغيّر لأن موقفها من الغرب واسرائيل تغيّر، هذه المعطيات وأمثالها كثير تثبت أن الورقة الطائفية لم تكن مستعملة، اذ لا أهمية لها، وانها اذ تستخدم الآن فلأن ذكر المبررات الحقيقية للصراع سيوصم جهة ما بالعار..
/5/2013 Issue 4493 – Date 2 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4493 التاريخ 2»5»2013
AZP07