تهجّدات عبدالمنعم حمندي
خصومات نبيل ومساعي إستزراع البراءة
عادل سعد
بينما يظل التهجّد واحداً من مفاتيح التآزر الروحي ، تظل المداومة عليه خلاصةً للانسجام مع النفس دون اية فرصة للانفصال ، وعندها فحسب تكون النفس البشرية قد احرزت موقفها بعيدا عن اية مخاوف مادية قد تعترض الصفاء النفسي ،وهنا يتعاشق التجلي والشعر ، وتكون القصيدة صلاةً نابعة من الداخل ، وليس صناعة ايقاعية سطحية ولذلك تتباين الذاكرة الشعرية بين عدد من الاسئلة الجوهرية ويضيع بعض الفهم عن المتلقي الذي لا يمتلك حساً روحياً وازناً مسبقاً بها .
هل اقترب عبد المنعم حمندي من الحلاج الذي ذهب في تصوفه الى حد مخاصمة الواقع ، لاشك لدي في ذلك ، لكن الشاعر حمندي زاول التهجد بالمزيد من الحاجة الى الواقع العراقي والكوني في مزاوجة لا يدعي ابتكارها وانما وجد نفسه فيها . ولهذا جاءت قصائده مشحونةً بالزوايا الاشراقية مع انحياز واضح للتبشير والانتظار المفجع ،في بحث ٍ معرفي يوظف امانته للبراءة التي طبعت حياته والتخاطر معها بالمزيد من الغليان
ان خسائرحمندي التي ارتضاها لنفسه هي بحق ممتلكات وازنة يستطيع ان يقارع بها ، ويؤسس لمنصات الهدؤ والتأمل والزهد ، اقول ذلك واستطيع ان ادافع عنه لأني من قراءتي لقصائده اودعني بعض اسرار شاعريته
يزخر ديوانه( تهجّدات) بخصومات كثيرة ،وصحبة امينة للشكر على وعود لم يمسكها ، لكنها لم تختفِ من امامه .
عبد المنعم حمندي في أنسلاخ محتدم عن نفايات الكذب والافتراء الذي بات غذاء يومي للافاقين وباعة العسل المغشوش ، هو صانع معادلات بين المعرفة والاستفسار ولذلك تزدحم قصائده بالعديد من الالتياعات :-
الذئب امسى حارسا
والحلم شاة
وكنت بينهما الفلاة
من ذا يؤالف بيننا
هكذا يحرر حمندي وثيقة اعتراف ويؤسس لفراسته تحت مفارقات تزدحم عنوةً وتصير مشاغل يومية له ، وهي على العموم لاترحم ، ورغم ذلك يظل اميناً لأولوياته في التبشير للعراق الايقونة بالمزيد من الافراط لتحصين مفردات الوطن الجغرافية والبشرية والمستقبلية
(اترى سواي يسأل عن بلادي ……. الجرح اوسع من عباب البحر) .
أنه فاحص متيم بالمكتشفات المؤلمة ، وتسجيل بشاعاتها ، لكنه لم يبرح مسؤوليته في التذكير بالامل من خلال التذكير بالحقيقة الجوهرية ( لايصح الا الصحيح ) ،ولذلك نستطيع ان نفهم النزعة الانشودية لديه ،المترفعة عن الحشو اللغوي التفصيلي الممل ، لقد نجح حمندي في الرواية الشعرية الموظبة بدقة ، وبأختصار ،على مساحة من الاجتهاد المنوّع ولهذا أحتوت قصاىده الثلاثين التي تضمنها الديوان على زخم أنفتاحات واعدة ، عالم انهار مسافرة تحت وطأة مزاوجة نادرة بين العطش والارتواء ، و بساتين نخيل ابت الا ان تظل باسقة رغم التهديد للاطاحة بها، وعصافير تصر على اعلان انتظارها لصباحات قادمة زاخرة بنبوءات واعدة ،وحبيبات معنفات وزهور لا تتليف بوخز الاشواك ،( ونوافذ عشاق ) تتبادل المعلومات عن اخر فرضيات الحزن ، ومعايشات صارمة للصبر دون اي كللٍ ، بل ودون اعلان أية هزيمةٍ يمكن ان يعلن بها استسلامه .
بخلاصة تحليلية ، ما احياه عبد المنعم حمندي في تهجدات شجناً عراقيـاً يضاهي بجدارة شجن عاشقة الليل نازك الملائكة ، واصطيادات عبد الوهاب البياتي ،ولوعة بدر شاكر السياب عندما حرره وجع المرض من الاسهاب ،
وحسبي ان الاطلالة الذكية التي قدّمَ فيها عبد الحسين صنكور الديوان كانت معاينة فاحصة لهذا السفر الشعري .