خرجيّة جيب


خرجيّة جيب
فاتح عبدالسلام
ما أحلى وما أثمن أن يعم السلام في العراق الذي لم يعرفه منذ أمد بعيد. لكن العراقيين لا يمكنهم أن يبنوا سلاماً فوق حقل من الألغام بحجة إنهم مسيطرون على هذه الألغام ويعرفون أماكن زرعها وطرائق نزع فتيلها من دون أن ينظفوا أولاً الحقل كاملاً ثم يبنوا عليه بنيان السلام والطمأنينة. غير إن هذا التوصيف لا يزال الأقرب الى المشهد السياسي العراقي حيث عقد اجتماعان كان يراد لهما وبهما إنهاء أزمة مستعصية في بلاد لا تزال لا تقوم على ركائز قوية. الاجتماع الأول كان بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ووصفوه بالرمزي أي لا قيمة فعلية له على الأرض، والثاني هو اللقاء بين رئيس الحكومة ورئيس الاقليم الكردي في أربيل حيث يعد الاجتماع الأهم والأصعب لأنه ينطوي ضمناً على معنى احتواء أي تداعيات غير مرضي عنها من ذلك الاجتماع الأول.
عندما تنطفئ حرائق المشاكل بين القوى السياسية الحاكمة باجتماع وقبلات يكون من الصعب على المراقب أن ينظر بجدية الى أية مشكلة قد تنشأ لاحقاً بين أولئك الذين طالما ذهبوا الى حافة الهاوية أكثر من مرة في معرض التصعيد السياسي والتصعيد على الأرض.
حسب مصادر سياسية مطلعة فإن خلوة رئيسي الحكومة المركزية والاقليم أنهت فصل الخصام وجرت تلبية مطالب الاقليم كاملة مهما علا ثمنها مقابل المحافظة على تحالف الكرد بمعناه النوعي مع بغداد. وهو تحالف لابدّ أن يكون هناك طرف ما ضحية له بالمعنى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي في بلد لا يزال يعيش حالة الكيانات الثلاثة المتوافقة على تنافس خارج سقف المفهوم الوطني العراقي لبناء دولة المشاركة الجماعية والمسؤولية المتكاملة.
هذا النوع من المصالحات الكبرى لا يكتب له النجاح، ولا يمكن أن يتم من دون أن تسبقه رسائل إقليمية ودولية لعل الجانبان بغداد وأربيل تسلماها بطرق مختلفة من طهران وواشنطن.
فضلاً عن أثر ذلك الهاجس المزمن الذي يؤرق رئيس الحكومة ممّا يحدث في سوريا حيث لا تزال هناك ضبابية حول مصير حليفه التقليدي في دمشق كما هي الضبابية حول البديل المحتمل وقد يكون بديلاً مرعباً لحكومة بغداد.
هل تتعلق مشكلات العراق بعملية صرف مستحقات مالية عالقة لأربيل؟ أهي مسألة خرجية جيب ووعود موكولة الى لجان في حين إن العراق يعيش أوضاعاً إنسانية أصبحت من السوء ما يجعل فيها أحوال الحيوانات تتفوق عليها في أكثر دول العالم؟ هل يمكن أن تبحث القمم العراقية الداخلية على سبيل المثال مشكلة التنمية والتعامل مع بدائل النفط لعشرين سنة مقبلة.. أم إنّنا لا نزال نحلم؟
FASL

مشاركة