خربشات سياسية
حلاق الزعيم.. حلاق الأفكار والشعور
أين يحلق الزعماء رؤوسهم؟ يالها من ثنائيات موحية وموجعة ومريبة أحياناً.. رؤساء ورؤوس، ملوك ورؤوس، وأمراء ورؤوس. الرأس مهم جداً فهو عنوان البلاد أحياناً تغلب أهميته على العلم والدستور والنشيد الوطني، حيث تقع عليه العيون فإذا كانت حلاقة الرأس غير متقنة تبدو أوضاع البلاد واضحة للعيان. هكذا يشعر بعض المحللين. لكنّني لا أشعر بذلك أبداً، فالزعماء كلّهم يصبغون شعورهم وهو إدمان لتفادي قلق نفسي قبل كل شيء يشبه صبغ المشاعر بألوان من الأمزجة والتقلبات والحب والكراهية والدهشة والاكتئاب لمناسبة أو من دون مناسبة. ولهذا السبب لا أشعر أن الرؤوس التي تعتلي اكتافهم حقيقية.
ويبقى السؤال العادي، أين يحلق الزعماء رؤوسهم؟ وأين يصبغونها؟ لا شك إنَّ هناك حلاقين خاصين في الرئاسات والبلاطات، لكن السؤال غير العادي هو متى يحلق الزعيم رأسه ومن الذي يشير عليه بذلك؟ ومَنْ يجرؤ على القول لرئيس أو زعيم إنّ شعر رأسك طويل أو غير مشذب أو يحتاج إلى لمسة حلّاق.
دائماً النساء هن الأقدر على إقناع الرجال وحثهم على الذهاب إلى مقص الحلاق، حتى لو كانوا من صنف زعماء دول أو أقاليم أو أحزاب. لكنَّ النساء غير ظاهرات للعيان في مكاتب الزعماء، فلم يعرف الناس يوماً أنَّ هناك سكرتيرة تنفيذية أو سكرتيرة استشارية لزعيم أو ملك ويمكن أن تظهر في الإعلام. بالرغم من إنهم يموتون في النساء لكن على طريقتهم الخاصّة. وملامحهم تفضحهم حين يتحدثون في موضوع له مساس نسوي. ويقال إن سوء العلاقة بين ليبيا وقطر كانت بسبب فشل القذافي في الاستحواذ على إعجاب واحدة من المذيعات الشهيرات في قناتها.
اليشماغ والغترة والعقال هي ستر لرؤوس بعض الزعماء أحياناً. ولعلَّ الستر هنا يأتي من باب الاعتياد على رؤيتهم على شكل ثابت ومؤطر، مّا حين يذهبون إلى نيويورك أو لندن ويتحلّلون من المحرجات فيبدون أناساً غريبين، كأنَّهم مقحمون على البدلات وسالكون فيها عنوةً.
أعود إلى حلاقة الزعماء، ذات مرّة استقبل زعيم عربي راحل ضيفاً في مكان مكشوف كانت الريح تلعب فيه لعباً فقلبت تسريحة الرئيس وكان مشغولا طوال الوقتً بتصفيف شعره أكثر من رد التحية على الحرس الجمهوري وكان ذلك على الشاشات وليس سرّاً. ويقال إنَّ السكرتارية اجتمعت لتدارك هذه الهفوة التي كشفت صلعة لم يكن مسموحاً أنْ يطلع عليها الشعب. وقيل بعدها إن سبري من النوع الفاخر تمَّ استيراده لتثبيت ما لم يثبت من شعر في رأس الرئيس. وهذا كان مدعاة لأماني المحيطين به أنْ يستوردوا يوماً بخاخاً ينفع في تثبيت أشياء كثيرة في رأس زعيم عنيد لا يقتنع بسهولة، وإذا اقتنع يوماً كانت قناعته تنبع من فراغ.
حلاق الزعيم هو منصب خطير، فهو وحده الذي يرفع الشفرة الحادة إلى رقبة الزعيم من دون أنْ يمنعه أحد. وهي أمنية تعلق في قلوب ورؤوس الملايين من أبناء شعبه. لذلك هو منصب كبير وخطير. لكن المنصب الأخطر هو ذلك الحلاّق الآخر الذي يشذب أفكار الزعماء ويقننها ويمنتجها لتكون صالحة لكل مناسبة وكل مكان من دون أنْ يبدو الزعيم خاوياً ومستنداً إلى فراغ رهيب كما هو حال الزعماء العرب غالباً.
لارا العمري
/5/2012 Issue 4190 – Date 3 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4190 التاريخ 3»5»2012
AZP02