رواية الواقعية الفنتازية
خرائب الكريستال
رضا الخفاجي
كربلاء
(خرائب الكريستال) عمل روائي إستوفى الشروط الفنية لكتابة الرواية، متوفرا على عمليات الخلق والتخليق، جامعا الواقعية بالفانتازيا ومقتربا من الواقعية السحرية. ميزة هذا العمل صدق الكاتب وإيمانه بجدوى كتابته وأهميتها وفاعلية تأثيرها لكونها تؤشر حقبة خطرة من تاريخ العراق المعاصر، تلك الحقبة الرهيبة التي عاش معاناتها كل الشعب العراقي وهو ينوء تحت وطأة نظام دكتاتوري متخلف غير جديدر بقيادة المجتمع فرضته علينا قوى معادية لتطلعات شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية من أجل مصالحها غير الشرعية في هذه المنطقة.
لعل مايميز هذا العمل الروائي المهم، اضافة الى ماذكرنا، اللغة الأنيقة الشفافة المؤثرة والرصينة التي يمتلكها الروائي علي ضياء الدين، والنسيج الدرامي المتوافر في الرواية بحيث جعلها تبتعد عن إشتراطات الرواية الفرنسية الجديدة وتقترب كثيرا من واقع الرواية العربية أو الكلاسيكية ، إن صح التعبير وهذه هي ميزتها التي تنفرد بها. لقد استطاعت عوالمها أن ترجعنا الى الستينات والسبعينات من القون الماضي عندما قرأنا (صيادون في شارع ضيق) و( البحث عن وليد مسعود) للراحلين الفذين جبرا غبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف.
لقد استطاع المبدع علي ضياء الدين أن يسبر غور الشخصيات المخلّقة في هذه الرواية ويصل بها الى مديات بعيدة من الصراع النفسي والجسدي، منتزعا منها إرهاصاتها وإنفعالاتها النفسية ومعاناتها الوجدانية ، تاركا للقارئ مساحة واسعة للتأويل والإستمتاع حد الدهشة والألم، في حالات خاصة، كحالة (رباب محمد علي)، على سبيل المثال.. مسلطا الضوء (وهذا يحدث لأول مرة في رواية عراقية، حسب معلوماتي) على معاناة العراقيين الذين هُجروا وسفروا قسرا عن وطنهم.
لقد إرتقى الكاتب فلسفيا، مبررا طروحاته الرصينة برؤية حضارية منفتحة غير منحازة واضعا إصبعه على مواطئ الألم، مشخصا تشخيصا علميا أمراض الديكتاتوريات، مجسدا الحالات النفسية والعذاب الهائل الذي كانت تعانيه شرائح كثيرة من المجتمع العراقي وفي مقدمتها الطليعة الواعية المثقفة والمبدعة، التي كانت تحتقر أي نظام قمعي يحاول سلب حرياتها وإرادتها في الحياة الكريمة.. ذلك النظام الذي أرهقها وكاد أن يدمرها كليا، بمتطلباته غير المنطقية وتصرفاته الهوجاء والتي دفع ثمنها الشعب المضطهد.
من المؤكد أن (خرائب الكريستال) رواية جديرة بالقراءة، تفصح عن ميلاد روائي فذ ومهم، وجديرة بالدراسة النقدية التحليلية المتخصصة. ولعل هذا الإنطباع الذي نهض عندي منذ قراءة الأسطر الأولى لها، سيظل مهيمنا والى أن اقرأ رواية أخرى بمثل هذا المستوى من الإبداع والتألق.
عندما يؤمن أي كاتب مبدع بجدوى كتابته فإنه سوف يتوحد مع عالمها الى مرحلة العشق وهذا يمنح الكاتب ميزة إستثنائية تجعله يندفع بكل رؤآه العاطفية والفكرية من أجل أن يستمر في التوغل في عالمه الإبداعي محاولا الوصول الى أقصى نقطة ممكنة تدفعه إليها مخيلته الإبداعية.
( خرائب الكريستال) إضافة مهمة الى الرواية العراقية والعربية وهذا ليس إنحيازا عاطفيا لأن إسلوبها ورؤآها الفكرية ولغتها الشاعرية وصدقها الفني تؤشر ماذهبنا إليه. وعندما تعطى هذه الرواية الدراسة الكافية والتحليل الرصين، سيتضح جليا مدى أهميتها كمنجز إبداعي أشّر معاناة شعب أصيل حضاري في مرحلة خطرة سيطر فيها الجهل والتخلف على غفلة من الزمن.