خدمات متنوعة: مكتبة وقاعة رياضية وكبرات ومجمّع صحي – فريد حسن

حديقة في أربيل غنّاءة تتحوّل إلى مركز تجمع للمتقاعدين

خدمات متنوعة: مكتبة وقاعة رياضية وكبرات ومجمّع صحي – فريد حسن

هل ثمة علاقة بين الموت البطيء والتقاعد ففي بلادنا يقال عن الذين يستكملون المدة القانونية في الخدمة العامة وتجاوزهم سن الثلاث والستون بالمتقاعد وفي بلدان عربية يقال عنهم ( محال على المعاش) واحيانا ومن باب المزحة يقال ( مت وانت قاعد) وتلك هي الفكرة الخاطئة التي لا تتناسب مع عطاء الانسان وبما اكرمه الله ان هذه المقولة خاطئة جاءت لتبرر ان المحال على المعاش قد انتهى به الزمن واصبح في عمر لا يمكن له ينتج او يقدم عطاءا ولكن العكس هو الصحيح حيث ان المتقاعد انما اصبح ممتلكاً الخبرة في الحياة والادارة ونضوجا فكريا للعطاء وتقديم الدروس المفيدة للاجيال القادمة وكم من متقاعد تخرّج على يديه علماء في مجالات مختلفة ومهندسون بُناة وخبراء في السوق والمال بل ووزراء والقائمين على امور البلاد وكم منهم كان عاملا مهما في سوح الانتاج في المعامل والمصانع وكم منهم كان استاذا في المدرسة الابتدائية وفي المراحل الدراسية الاخرى لينتج شبابا متعلما مهيئاً لخدمة البلاد .

تقييم دور المتقاعد

ان تقييم دور المتقاعد لم يأتِ فقط في تأمين راتب له من مستحقاته هي بالاصل بل في ايجاد وسائل اخرى لتقديم الخدمة له بل ورّد الجميل لما قدمه من خدمات في سنين عمره وحرصه على ذلك فلابد من مكافأته بتأمين الرعاية الصحية وايجاد وتهيئة اماكن للترفيه وزيارته في المناسبات من قبل الدائرة التي خدم فيها ودعوتهم لحضور الاحتفالات الرسمي والشعبية تقديراً لما بذلوه من جهود مباركة بل ولما قدموه من خدمة عامة .

مركز المتقاعدين

مركز متكامل يربو مساحته على اكثر من ( 3 ) دونمات  تقع في مركز مدينة اربيل  امام الواجهة الامامية لقلعة اربيل التاريخية ومقابل بارك المدينة التي تزينها النافورات الراقصة المصممة باحدث التقنيات الفنية كما ان المركز محاط بحديقة غناءة تحيطها الاشجار الباسقات من كل الجهات لتضلل المكان صيفا وتتوزع الكراسي والمراجيح في انحاءها فالمركز عبارة عن  حديقة غناءة ممتدة الاطراف اشجار باسقات تحف اطرافها وتمتد الى وسطها لتكون مصدرا للفيء والظل  ومرتعا طيبا للجالسين من رواد المركز من المتقاعدين الذين ما فقدوا اصدقاءهم بل تواصلوا معهم في مركز يجمعهم على الحب والصداقة ليستذكروا ماضي الايام ويرووا الروايات عن احداث عاشوها حينما كانوا في الوظيفة العامة ليتعلم منهم الاجيال وان يقتدوا بتلكم الصفحات المشرقة من العطاء ونكران الذات وخدمة الناس وليؤكدوا ان بعد التعب والمشاق في الحياة هنالك محطة استراحة تسمى (التقاعد) او الاحالة على المعاش للراحة وهنالك منهم من يستفاد منها للاستجمام والسفر والترحال بعد ان يُفك قيده من الوظيفة واشتراطاتها واستمرار الدوام اليومي .ولكي نسلط الاضواء اكثر كان لنا هذا اللقاء ضمن جولتنا في المركز مع مديره والمشرف عليه (السيد محسن محمد غريب البرزنجي) فحدثنا بالقول : ان المركز شهد تطورا كبيرا وواسعا بعد ان تم استحصال الموافقات الرسمية وبالتعاون مع بلدية المحافظة وتسمية المكان واتخاذه مركزا للمتقاعدين منذ عام (2008) .

يقول سيد محسن البرزنجي :

في عام (1937- 1963) جاء (خليل افندي ) من مدينة ( وان ) وحط الرحال في اربيل وكان هو صاحب اراضٍ زراعية وغابات من الاشجار والفواكه في مسقط رأسه في (وان وهي عاصمة محافظة وان وتقع شرق تركيا وذات اغلبية كردية وتشتهر بقلعتها التاريخية ومعالمها السياحية وتتواجد فيها القطط ذات اللون الابيض  الناصع والعينين المختلفتين عين ذات لون اخضر واخرى ذات لون ازرق  ) ولما تجول في مدينة اربيل لم يرَ اشجارا مزروعة فتقدم بطلب الى متصرف المدينة انذاك الباشا ( احمد توفيق ) الذي كان متصرفا للواء اربيل من (1935/4/25) ولغاية (1939/4/24).

فقدم خليل افندي عام 1937طلبا للمتصرف لتخصيص قطعة ارض له  وبمعته اخوه لزراعته بالاشجار  فتم تخصيص هذا المكان الذي كان مقبرة في منتصف المدينة مما جعل المتصرف ليلتقي رؤوساء العشائر والشخصيات الاربيلية للمداولة والاستشارة فوافق الجميع على تحويل المقبرة الى حديقة وتم تحديد(10) عمال وباجر يومي ( 3 ) دراهم لكل منهم وبدأ خليل افندي يستقدم الاشجار بانواعها من مناطق واقضية اربيل ويزرعها ومنها التفاح والبرتقال والعنب والمشمش والتوت وما الى ذلك فتـــحولت المقبرة الى جنة على الارض .

فكرة تأسيس المركز

يستطرد سيد محسن بالقول : ان فكرة تأسيس المركز للمتقاعدين جاءت من قبل المرحوم ( فاروق سيد حسن ) رئيس نادي اربيل الرياضي السابق حيث جمع تواقيع من عدد من المتقاعدين وقدمه لمحافظ اربيل (نوزاد هادي ) عام  2008الذي بدوره رحب بالفكرة وخصص هذا المكان ليكون مركزا للمتقاعدين وخصص مبالغ مالية لبناء القاعات وشراء الاثاث وكان له دوره الكبير في هذا العمل الرائع اضافة الى دوره في تطوير المحافظة وتهيئة مستلزمات توصيفه بأجمل وانظف وارقى محافظة على مستوى العراق .ومازال محدثي يستذكر فيقول وفي عام ( 2018) قدم الشيخ باز البرزنجي بتحمل مصاريف بناء قاعة المكتبة والكبرات ومسجدا  ومرفقا للرياضة لممارسة انواع الرياضات  وخصص محافظ اربيل الحالي (اوميدخوشناو) مدرباً للرياضة مختصا بامراض السوفان والفقرات حيث يقدم خدمات طيبة للمتقاعدين المرضى فيما خصص وزير الصحة في حكومة الاقليم الدكتور سامان البرزنجي مركزا صحيا وتأمين كادر طبي واسعاف فوري لنقل المريض اذا ما تطلب الامر ذلك .

ان المركز يستقبل جميع المتقاعدين ومن جميع الدوائر وكذلك بالنسبة للمقيمين في الاقليم من محافظات العراق وان رسم الاشتراك السنوي (16) ألف دينار عن رسم اصدار هوية المركز .

مساهمات ثقافية

يقول مدير المركز ان المتقاعدين الذين يزورون المركز توزع عليهم الصحف اليومية باللغتين العربية والكردية  مجاناً ومن ذلك صحف الشرق الاوسط وهه ولير وخبات وتمنى ان تحذو الصحف الاخرى حذوهم وان المكتبة تحوي اكثر من (3 ) الاف كتاب وتمنى من وزارة الثقافة في الحكومة الاتحادية ان تعزز المكتبة باصداراتها وكذلك بالنسبة لاتحاد ادباء العراق .

ويقول المشرف البرزنجي :

ان المركز يقدم ومن خلال متعهد انواع المشروبات ( شاي ، قهوة،حليب ،مشروبات غازية ) باسعار منافسة للتخفيف عن كاهل المتقاعد  كما ويقدم وجبة غذاء لما يربو على (150) شخصا من المتقاعدين الذين يفضلون البقاء في المركز لحين وقت اذان المغرب لبُعد سكنهم عن مركز المدينة ويوميا من قبل مجموعة كَلياوة الذين اضافة الى ذلك يقدمون الطعام ومنذ سنوات  للعمال والكسبة والعاملون في سوق (شيخ الله) واشار الى ان هنالك مجموعات يتباحثون ويتبادلون الاحاديث والاراءومنهم المجموعات التي تهتم بالرياضة ومجموعة الشعراء والادباء والصحفيين ومجموعة الفنانين والمطربين وهكذا .

مركز خاص

يقول محسن البرزنجي :

كانت تصل اسماعنا بان المتقاعدين الرجال مقصرون تجاه زميلاتهم من المتقاعدات واغلبهن كن معلمات معنا في نفس المدارس او موضفات في الدوائر مما تم التباحث مع عدد منهن من المتقاعدات ولكي ندرأ عن انفسنا خطر القيل والقال ونعبر عن نكران الذات فقد الينا على انفسنا ان ننصف زميلاتنا وان نرفع فكرة تأسيس مركز للمتقاعدات ضمن جانب من المركز الحالي وفتح باب جديد يؤدي الى الجانب الثاني وكان لمحافظ اربيل الحالي (اوميد خوشناو ) دوره في ذلك وقد خصص (100) مليون دينار حيث تم بناء قاعة ومكتبة ليصبح مكاناً لتجمعهن وقضاء اوقات طيبة والتواصل مع بعضهن بعد ان ابعدنهن التقاعد عن بعضهن وهكذا بنينا جسور التواصل بين اخواتنا المتقاعدات.

مشاركة