خبراء سوريون لـ الزمان الأزمة تتصاعد بغياب الحلول السياسية
دمشق ــ الزمان
يبدو ان المشهد السوري استحوذ منذ عامين على اهتمام المسؤولين السياسيين، ولم يكد يغيب عن اجندتهم في أي لقاء، وباتت تشكل الشغل الشاغل لهم، وراحوا يبحثون في اروقة المنظمات الدولية والاقليمية عن مخرج سياسي لتلك الازمة التي دخلت في عنق الزجاجة، وتشهد حالة من الاستعصاء السياسي لايجاد مخرج سياسي لها، في حين ان المنظمات الدولية والانسانية كانت تراقب عن كثب حجم المأساة التي لحقت بالشعب السوري خلال العامين الماضين من عنف كان يمارسه النظام تارة، وبعض المجموعات المسلحة ذات الطابع التكفيري التي هجرت الناس من بيوتها وجعلت معظم المدن السورية خالية من السكان ان لم نقل عنها بأنها مدينة اشباح، تعصف بها رياح الموت والدمار والخراب .
ابرز ما يميز الازمة السورية وهي تدخل عامها الثالث بأن وتيرة العنف تصاعدت بشكل كبير، في معظم المدن السورية، حيث دمرت الصواريخ وقذائف المدفعية الاحياء والبيوت والمحال التجارية، ولم تسلم منها المستشفيات والمدارس والمواقع الاثرية التي تشكل ذاكرة هامة للشعب السوري تعود لعشرة الاف سنة، اضافة الى نزوج مئات الالاف من السوريين من تلك القرى والبلدات والمدن تحت وطأة شدة القصف والاشتباكات بين الجيشين السوري والحر، وخروج مساحة كبيرة من تحت سيطرة الدولة السورية لتدار من قبل مليشيات تطلق على نفسها عدة تسميات منها ما يأخذ منها طابع اسلامي، واخر طابع عسكري، وثالث يقومون باعمال تخريبية تحت عدة مسميات، وفي النهاية المسؤول عن هذه الفوضى هو النظام حسب رأي المعارضة السورية في الداخل والخارج .
مع دخول الأزمة السورية عامها الثاني يبدو ان الجهود السياسية والديبلوماسية لحل الازمة السورية تتعثر في محاولة منها لاحتوائها، والعمل على إطلاق عملية سياسية عبر الحوار بين السلطة والمعارضة. ومرت الأزمة السورية بعدة محطات منذ منتصف مارس العام 2011 الى ان انتشر العنف على نحو واسع وراح يهدد بنية المجتمع السوري وتركيبته الاجتماعية والسياسية.
وبعد فشل المراقبين العرب في لجم وتيرة العنف، وما شاب عملهم من ملاحظات وانتقادات، دعت الدول العربية والمنظمات الدولية الى تعيين مبعوث دولي وعربي مشترك الى سوريا، وهو ما تم فعليا، إذ عين كوفي أنان لهذه المهمة، وتم ارسال بعثة مراقبة دولية الى الاراضي السورية للحد من موجة العنف المتنامية.
ولم تتمكن البعثة الدولية من احراز أي تقدم لجهة وقف العنف، وهو ما دفع بالمبعوث الدولي أنان الى الاستقالة ليحل محله الديبلوماسي الجزائري الأخضر الابراهيمي الذي يواصل جهوده، منذ أشهر، لاحتواء الأزمة من دون أن يحقق اي اختراق ملموس، وهو يقر بان مهمته صعبة وشاقة . ولعل العلامة الفارقة في العام الثاني من عمر الازمة السورية هو ارتكاب المجازر التي وقعت في عدد من المحافظات السورية وحصدت ارواح المئات منهم، وسط تبادل الاتهامات بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة، غير ان بعثة المراقبين خلصت الى ان النظام السوري يستخدم اسلحة ثقيلة ضد المدنيين السوريين . ولعل من العناوين الهامة في تلك الازمة هو تشكيل الائتلاف الوطني السوري المعارض في الخارج، وحصوله على تأييد بعض الدول الغربية كممثل شرعي للشعب السوري واستلامه سفارات سوريا في البلدان التي اعترفت به، والان يتم تسليمه مقعد سوريا في جامعة الدول العربية شريطة الاسراع في تشكيل حكومة انتقالية في المنفى والتي المعارضة السورية في الداخل ان هذا الاجراء سيعقد المشهد اكثر ويبعد فرص ايجاد حلول سياسية . وقال ماهر مرهج أمين عام حزب الشباب الوطني السوري المعارض ان تجربة السنتين الماضيتين أكدت أن هناك مؤامرة كبيرة تحاك ضد سوريا ، مشيرا الى ان الخيار الامني والعنف لا يفضي الى حل سياسي . وأضاف مرهج لـ الزمان ان الموضوع السوري لم يعد يختزل في المطالبة بالحرية واسقاط النظام، ولا بمزاعم النظام اجراء اصلاحات شكلية ، مشددا على ان الموضوع بات موضوع وطن، وكيفية انقاذ هذا الوطن من اتون حرب طائفية او اهلية تهدد مستقبل البلاد . ورأى مرهج ان سوريا تحولت خلال العامين الماضيين الى مسرح للفساد والخطف والقتل ، مشيرا الى ان العنف اصبح هو العنوان الابرز للازمة في ذكراها الثانية . وطالب المعارض السوري الجميع بالجلوس الى طاولة الحوار الحقيقي ونبذ جميع الخلافات والنظر الى مستقبل سوريا وإعادة الامن والاستقرار اليها . وأوضح مرهج ان العنف أبعد أي بارقة امل لتطبيق الحل السياسي، وفاقم الازمة وبات الامر معقدا اكثر فاكثر ، لافتا الى ان قضية اللاجئين اصبحت ورقة رابحة بيد بعض الدول للمتاجرة بها ، محملا النظام والمعارضة المسلحة مسؤولية ازدياد تلك الارقام والهجرة القسرية للسوريين من بيوتهم . وكانت التقديرات الاممية قالت ان نحو مليون سوري فروا من المعارك الى مخيمات اللجوء في دول الجوار، كما نزح نحو 3 ملايين سوري داخل سوريا نحو مناطق أكثر أمنا. ودعا مرهج الى رفض التدخل الخارجي ومكافحة الارهاب، ووقف تمويل المعارضة المسلحة بالمال والسلاح، كي نفسح المجال امام الحلول السياسية ، محذرا من انه في حال استمرت دائرة العنف فإن الوضع سيتفاقم اكثر وستذهب البلاد الى المجهول . ودعا مرهج الى محاسبة المسؤولين عن العنف ، مطالبا ببذل كل الجهود لإعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم عبر اعطائهم ضمانات حقيقة، وتأمين مراكز ايواء مناسبة لهم .
اما في يخص بفرص الحلول السياسية، قال مرهج ان الحل السياسي لا يزال يشكل المخرج الوحيد للازمة السورية ، مطالبا الدول الغربية والعربية بالتوافق على ايجاد صيغ مناسبة توقف نزيف الدم السوري . من جانبه رأى حسن عبدالعظيم المنسق العام لهيئة التنسيق السورية المعارضة ان افق الحل السياسي خلال الفترة الماضية كان مسدودا بوجود جناح في النظام يؤمن بالحل العسكري والأمني، وكذلك وجود التشدد من قبل المعارضة المسلحة وبعض التيارات السلفية التي استغلت عنف النظام . واضاف عبد العظيم لـ الزمان ان المعادلة التي تكرست هي ان النظام يريد القضاء على المعارضة المسلحة، والجيش الحر المعارض يعمل، بدوره، على اسقاط النظام ، لافتا الى ان الرهان على ذلك كان خاطئا وبالتالي كان هناك المزيد من اراقة الدماء وتصاعد وتنامي وتيرة العنف . واوضح عبد العظيم، الذي يعد احد ابرز اقطاب معارضة الداخل، ان العنف لم يعد مقتصرا على النظام والمعارضة المسلحة بل دخلت على خط الأزمة عناصر قادمة من دول اقليمية وعربية وأجنبية بحجة نصرة الثورة السورية ليصبح هناك قوى متطرفة تمارس ابشع انواع القتل والعنف بحق الشعب السوري وتحاول القضاء على الحراك الشعبي السلمي . واعتبر المعارض السوري ان صوت السلاح طغى على صوت الحوار الامر الذي ادى الى تعثر الحلول والمبادرات السياسية . ورأى عبد العظيم ان ثمة قناعة تشكلت لدى الدول المعنية بالملف السوري، وخصوصا الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي، وهي ان مستويات العنف في سوريا وصلت الى مراحل خطرة، وان لا بديل عن الحل السياسي ، مشيرا الى ان التوافق الروسي الاميركي نحو ايجاد صيغ للحل السياسي بدأ ينعكس على مواقف الدول الغربية التي باتت تطالب بحل سلمي وانتقال سلس للسلطة . وطالب عبد العظيم السلطات السورية بتوفير البيئة المناسبة لتطبيق الحل السياسي ، مؤكدا ان هذا الحل لا يتحقق بأيدي السوريين وحدهم لان القضية اصبحت متشابكة بعد تدخل اطراف اقليمية ودولية، ولا بد من وجود توافق دولي لحل الازمة السورية . وأعرب عبد العظيم عن أمله في ان تكون هناك ارادة حقيقية لدى النظام ، مشككا في ان يكون لدى الحكومة السورية النوايا الصادقة في اجراء الحوار ، مبينا ان الحل الامني والعسكري لا زال قائما وسط حملات الاعتقال الواسعة لمعارضة الداخل .
وكان الرئيس السوري بشار الاسد طرح مطلع السنة الجارية مبادرة لحل الازمة في بلاده تضمنت الدعوة الى حوار وطني ووضع دستور جديد تمهيدا لاجراء انتخابات عامة في البلاد. وأكدت السلطات السورية، وعلى لسان كبار المسؤولين، انها مستعدة للحوار مع مختلف قوى المعارضة السورية في الداخل والخارج بما في ذلك المعارضة السورية المسلحة. وأكد عبد العظيم ان هيئته تدعم اي حوار بين السلطة والمعارضة شريطة وقف العنف للتفاوض وتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة ، معربا عن تفاؤله بالحل السياسي، فبعد سنتين من الدوران في حلقة مفرعة فان هناك جهود دولية حثيثة تبذل لإيجاد حل سياسي . وحذر عبد العظيم من ان العنف واستمرار الصراع المسلح سيقودان الى صراعات اهلية وطائفي لها مخاطر كبيرة تهدد النسيج الوطني الاجتماعي في سوريا ، لافتا الى ان الدول المهتمة بالملف السوري بدأت تستشعر الخطر وتسير في اتجاه تكريس الحل السياسي . ومن جانبه اعتبر المحلل السياسي معين العماطوري ان الازمة السورية اخذ منحى مختلف مع دخولها العام الثالث حيث وصلت مستويات العنف الى درجات عالية، وبات الدم مستباح من قبل طرفي النزاع، مشيرا الى ان اعداد اللاجئين السوريين صارت تشكل ازمة اخرى، في دول الجوار لشدة العنف داخل البلاد. وقال العماطوري لـ الزمان ان الساحة السورية صارت مسرحا لعمليات العسكرية والعنف، محذرا من خطورة دخول التنظيمات المتطرفة الى سوريا واستحواذها على مناطق بسوريا، ما يشكل خطرا حقيقا على دول الجوار. واعتبر العماطوري ان فرص الحلول السياسية تتضاءل في ظل تنامي العنف على الارض، وتواصل العمليات الاشتباكات بين الجيشين السوري والحر، مؤكدا ان طاولة التي يدعو اليها النظام لم تلق اذانا صاغية من قبل المعارضة السورية في الداخل والخارج، لافتا ان الحوار المقبل سيكون محاورة النظام مع نفسه، ولم تكون هذه المحاولة محطة هامة في عمر الازمة السورية، لافتا الى ان الايام القادمة ربما ستحمل الكثير من المفاجئات على صعيد توقف العنف.
AZP02