خبراء آثار لـ الزمان بورصات عالمية تستقبل آثار العراق المهربة عبر وسطاء أوربيين وإسرائيليين
جنوب العراق ــ عدنان طعمة
بعد سقوط النظام السابق، فتحت أبواب العراق أمام تجار اثار اجانب وعرب ومحليين لسرقة الاثار العراقية بشكل علني، وعلى مرأى من سلطات الاحتلال الامريكية، ففقدت آلاف القطع الاثرية والأختام والمسكوكات النقدية في اكبر عملية سرقة للآثار في التاريخ، لتشكل امتداداً للحقبة السياسية الماضية التي تورط فيها مسؤولون في النظام السابق، بتهريب مئات المخطوطات النادرة والقطع الاثرية.
موت التاريخ
الباحث ومنقب الاثار عامر عبد الرزاق الزبيدي، المدير السابق لدائرة اثار محافظة ذي قار 375 كم جنوبي العاصمة بغداد قال لـ الزمان ان النهب المنظم وغير المنظم للمواقع الاثرية في العراق عموما، ومدن الجنوب العراقي خاصة هي بداية النهاية لموت التاريخ بعد ان خربت ونبشت اهم المواقع الاثرية في العراق، فالقطع التي سرقت من المتحف العراقي تقدر بخمس عشرة قطعة اثرية والتي طالتها يد الارهاب اللصوصية على مرأى ومسمع من قوات الاحتلال وآلياتها العسكرية التي كانت بجوار المتحف، وكأنهم يشيرون الى هذا الارث الحضاري بإعلان عسكري امريكي على موت تاريخ بلاد وادي الرافدين الذي يعد اولى الحضارات العالمية، على حد تعبير الزبيدي.
سرقات بالجملة
للمواقع الأثرية
الذي يتجول بسيارته الخاصة او واسطة النقل التي تقله في انحاء مدن العراق الجنوبي لا يرى موقعا اثريا إلا ورأى آلاف الحفر التي تجاوز عمقها 6 م وعرضها 5 م .
ويقول مدير دائرة اثار محافظة ذي قار السابق، عامر الزبيدي من المواقع الاثرية التي نهبت ودمرت آثارها، موقع مدينة ايس ايشان بحيرات في محافظة الديوانية، حيث اجتمع عليها مئات النباشين والسراق الذي دمروا وكسروا فخارياته وسرقوا كميات كبيرة من التماثيل والمجوهرات والأختام الاسطوانية والألواح. وطالت عمليات السرقة والنهب، موقع نفر العاصمة الدينية للعراق القديم، وموقع شروباك تل فاره موطن نبي الله نوح ومنطلق الطوفان. أما تل الظاهر على الحدود بين محافظتي الديوانية وذي قار، فقد كان مرتعا لحفاري الاثار.
سرقة أكبر مواقع الآثار
في العالم
موقع مملكة اوما تل جوخه الذي يعد من اقدم المواقع الاثرية في العالم، قد تعرض للنبش والسرقة والنهب، وسربت موجوداته الاثرية الى شتى متاحف العالم، حيث تعد نفائسه كما تشير المعلومات التاريخية الى ان تكوينها الاثري غاية في الجمال والروعة والدقة، وهي عبارة عن مجاميع كبيرة من التماثيل البرونزية والحجرية، والأختام الاسطوانية والمنبسطة ومجموعة من الالواح المسمارية، ويقدر ما سرق من اثار تل جوخه بمائة الف قطعة اثرية.
مراسل قناة الحرة في محافظة ذي قار يروي شهادته العيانية على هذا الموقع ان تل جوخه احد المواقع السومرية القوية في العراق القديم،قد تعرض للسرق والنبش من قبل لصوص محترفين والتي تجري وفق عمليات ممنهجة. والأكثر كارثية من ذلك ان هناك مرآب في مدينة الفجر المتاخمة لهذا الموقع، توجد فيه سيارات اجرة مختلفة الاحجام والأنواع ينادي اصحابه جوخه جوخه للدلالة للذهاب الى هذا الموقع الاثري المليء بالكنوز واللقى الاثرية . وأضاف السعيدي ان عدد المواقع الاثرية في محافظة ذي قار هو 1200 ألف ومائتا موقع اثري، خصصت الدولة لها 12 حارس فقط، بينما اعداد الحمايات الشخصية للبرلمانيين ورجال الدولة المختلفة تصل رواتب حماياتهم الى مليارات الدنانير وتدفع من ميزانية الدولة.
البورصة العالمية
وخريطة تهريب الآثار
يؤكد منقب الاثار عمار الزبيدي ان خريطة تهريب الاثار في محافظة ذي قار تتم عن طريق ناحيتي الفجر والبطحاء ومن ثم تهرب بشكل منتظم الى بورصات عالمية معروفة عن طريق محافظتي السماوة والنجف، مضيفا، ان الاردن الذي يضبط دائماً الآثار المهربة كان سابقاً يعد البورصة العالمية الاولى للمتاجرة بالآثار العراقية حيث يتهافت على هذه البورصة تجار وسماسرة دوليين وأساتذة محترفين وخبراء في اثار الشرق، منهم الاوربيون والاسرائيليون لشراء بعض الاثار النفيسة وتهريبها الى تل ابيب وبقية الدول الاوربية.
الناصرية.. متحف
الاثار العالمي
دكتور هنري رايت، استاذ اثار الشرق في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الامريكية، قال في معرض زيارته الى متحف مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار ان الدراسات الغربية والأمريكية المتخصصة تسمي محافظة ذي قار متحف الآثار العالمي لما تحويه من عدد هائل من المواقع الاثرية حيث ان عدد المواقع الاثرية في هذا المحافظة اكثر من عدد المواقع الاثرية في فرنسا وايطاليا مجتمعتين. حيدر قاسم الحجامي، سكرتير تحرير صحيفة محلية يقول ان هذا المتحف العالمي قد تاجر به بعض مسؤولي النظام السابق في الاسواق العالمية، كما هو عرضة اليوم للنبش والسرقة المنظمة في خطوة واضحة لنهب الذاكرة العراقية وقتل روح الانتماء التي كانت وما تزال ضعيفة عند المواطن. وأضاف الحجامي اجزم ان الاثار العراقية منذ بدء اولى رحلات الاستكشافات في بداية القرن التاسع عشر والى يومنا هذا، هي اكثر عرضة للسرقة والنهب والمتاجرة، سيما وانها تعد اكثر ما سرق من العراق من حيث القيمة التاريخية وما تمثله للحضارة الانسانية. حسون الشنون نائب نقيب الفنانين في محافظة ذي قار قال لـ الزمان انها طمر للهويه العراقيه وتدمير الجانب المعرفي للذاكرة الجمعية للمواطن العراقي والذي يبرهن صحة ذاكرته من خلال الشواهد التاريخيه واللقى الاثريه. والآثار بحاجة الى تجريم المجرم السارق وتشريع قانون بذلك.
شهادت أخرى
صباح محسن باحث واعلامي، اكد لا ريب ان ما تعرض له العراق من نهب لآثاره، ولأرشيفه الحضاري تعد كارثة ثقافية.. ومنذ فجر الاكتشافات الحضارية تعرض العراق الى غزو ونهب، وتعاقبت عليه حقب من الدمار لأرثه ووجوده. والانكى من ذلك ان التهريب المنظم للآثار قد تم بعهدين، النظام السابق والحالي، لانتزاع الارشيف الانساني من الذاكرة العراقية. وأشار الروائي محمد مزيد حاول الكثير من القوى والتيارات ان تجعل العراق تابعا الى الغياب، تتقاذفه امواج بحر عاصفة، تريد اذلال جبروته الذي نشأ عليه، ذلك الجبروت الذي واحدة من شواخصه اثاره الباقية التي تؤكد جديته في انتاج العقل، ان محاولات نهب التراث العقلي للإنسان العراقي بالرغم من كونها خطيرة وقد تنجح احيانا لكنها تؤكد الاصرار الاستعماري على مسخ الجبروتية العقلية في هذا المكان من الكرة الارضية. اكرم التميمي، كاتب ومراسل قناة فضائية قال طالما لم تكن هناك ستراتيجية واضحة، ولم تكن رؤية على المستوى التخطيطي والإداري للمؤسسة او المنظومة الثقافية والسياحية في العراق فستكون هذه المساحة مفتوحة لمن هب ودب من اجتهادات وتخبطات في قطاع حيوي يشكل اهمية كبيرة حتى توازي الثروة النفطية في العالم. فلم تكن في دولة ما محافظة او مدينة تحتوي على اكثر من الف موقع اثري يشكل مكانة كبيرة في تاريخ العراق الحضاري بل وحتى في تاريخ العالم خصوصا مثل مدينة اور الاثرية وغيرها من المواقع المهمة لكن الاطماع السياسية في بعض المناصب اعتبر البعض من يدير هذا القطاع لا يشكل اهمية كون الوزارة ليست ضمن الوزارات الفاعلة وبذلك اهملت تلك المواقع كي تصبح سوقا مفتوحا للبيع والشراء. رئيس تحرير صحيفة محلية، عدنان عزيز دفار قال ان سرقة الاثار العراقية ظاهرة استشرت في المجتمع، للأسف وإنها محاولة بائسة من ذوي النفوس المريضة لمحاولة افراغ الوطن من ارثه الانساني والمعرفي والحضاري ولكن الذاكرة العراقية والتراب العراقي يزخر بما لايتخيله عقل من كنوز ولقى وتحف ومواقع لاتزال تنتظر الايادي الامنية لاكتشافها.
شهداء علماء الآثار
مدير دائرة الاثار السابق في محافظة ذي قار قال شخصيات اثارية مهمة وحرفية في مجالها الاثري قد لفظوا انفاسهم الاخيرة حرقة وحزنا وألما على ما يجري من انتزاع للذاكرة العراقية عن طريق النهب المنظم للآثار، فشخصيات مثل دوني جورج الذي توفي في امريكا، ووفاة دكتور فوزي عبد الرشيد، ودكتور عبد الاله في الاونة الاخيرة، وقبل ايام قلائل ودعنا الدكتور بهنام ابو الصوف، فهذه الثلة من عمالقة الاثار في العراق، يقينا قد وافهم الاجل بسبب ما يحدث للآثار العراقية.
AZP02