خبايا القمم وأوهامها

توقيع

فاتح عبد السلام

سبقت‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الميت‭ ‬في‭ ‬الاردن‭ ‬بثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬أو‭ ‬يومين‭ ‬،‭ ‬قمم‭ ‬ثنائية‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬أردنية‭ ‬مغربية‭ ‬أو‭ ‬بحرينية‭ ‬مصرية‭ ‬أو‭ ‬أردنية‭ ‬سعودية‭ ‬أو‭ ‬أردنية‭ ‬مصرية‭ ‬أو‭ ‬فلسطينية‭ ‬مصرية،‭ ‬وكلها‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬التنسيق‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬منه‭ ‬جميع‭ ‬القادة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمتهم‭ ‬الجديد‭  ‬بمستوى‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الانقسام‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تحقيق‭ ‬الانجازات‭ ‬متاحاً‭ .‬

الأجواء‭ ‬العربية‭ ‬ملبدة‭ ‬بغيوم‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬توحي‭ ‬بمطر‭ ‬ينفع‭ ‬الزرع‭ ‬والنسل‭ ‬،‭ ‬وانما‭ ‬هو‭ ‬مطر‭ ‬ضغينة‭ ‬ومحاور‭ ‬متصارعة‭ ‬وعقد‭ ‬متجذرة‭ ‬وأحقاد‭ ‬متوارثة‭ ‬‭. ‬والاردن‭ ‬يواجه‭ ‬مهمة‭ ‬صعبة‭ ‬في‭ ‬محاولته‭ ‬جمع‭ ‬الزعماء‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬تلبيد‭ ‬تلك‭ ‬الأجواء،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬خلافات‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬قد‭ ‬تحولت‭ ‬الى‭ ‬ملفات‭ ‬اقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬،‭ ‬وخرجت‭ ‬الكلمة‭ ‬الحاسمة‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬العرب‭ ‬الى‭ ‬سواهم‭ . ‬الحروب‭ ‬مفتوحة‭ ‬الأفواه‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬واليمن‭ ‬العراق‭ ‬وليبيا‭ ‬،‭ ‬والارهاب‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬تنظيم‭ ‬أو‭ ‬تنظيمين‭ ‬يستهدف‭ ‬الجميع‭ ‬ولا‭ ‬يستثني‭ ‬أحداً‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬العدو‭ ‬العالمي‭ ‬المحيّر‭ ‬،‭ ‬فعلامَ‭ ‬يتخاصم‭ ‬العرب‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬علام‭ ‬َ؟،‭ ‬وكلهم‭ ‬مستهدفون‭ ‬من‭ ‬ذات‭ ‬العدو‭ . ‬وهم‭ ‬جميعا‭ ‬ليسوا‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬أحوالهم‭ ‬عدة‭ ‬وعدداً‭ ‬ومالاً‭ ‬ومنعةً‭ .‬

التفاهمات‭ ‬في‭ ‬القمم‭ ‬الثنائية‭ ‬أو‭ ‬الثلاثية‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬فائدة‭ ‬للعرب‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة،‭ ‬بل‭ ‬انّ‭ ‬بعض‭ ‬مؤتمرات‭ ‬القمم‭ ‬العربية‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬والتشتت‭ ‬،‭ ‬وخرج‭ ‬منها‭ ‬الزعماء‭ ‬بنسبة‭ ‬زعل‭ ‬وضغينة‭ ‬أكبر‭ .‬

كثير‭ ‬من‭ ‬القمم‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬محاولة‭ ‬أطراف‭ ‬وتكتلات‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمرير‭ ‬مشروع‭ ‬معين‭ ‬يسعون‭ ‬الى‭ ‬إكسابه‭ ‬شرعية‭ ‬من‭ ‬اجماع‭ ‬القمة‭. ‬هل‭ ‬يبحث‭ ‬العرب‭ ‬إعادة‭ ‬سوريا‭ ‬الى‭ ‬مقعدها‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬مستحقة‭ ‬من‭ ‬المعيب‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬بيد‭ ‬العرب‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬درجة‭ ‬الخلاف‭ ‬حول‭ ‬دمشق‭ . ‬كان‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬ان‭ ‬يحرصوا‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬سوريا‭ ‬بينهم‭ ‬،‭ ‬ولتكن‭ ‬المواجهات‭ ‬في‭ ‬المؤتمرات‭ ‬وربما‭ ‬افضت‭ ‬الى‭ ‬تفاهمات‭ ‬وحلول‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬مسرحيات‭ ‬جنيف‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬تبديء‭ ‬وكيف‭ ‬تنتهي‭ ‬،‭ ‬كعرض‭ ‬مسرحي‭ ‬بلا‭ ‬جمهور‭ ‬وبلا‭ ‬ممثلين‭ ‬أحياناً‭ . ‬ليس‭ ‬حقيقياً‭ ‬جعل‭ ‬نظام‭ ‬دمشق‭ ‬وحده‭ ‬مذنباً‭ ‬،‭ ‬فبعض‭ ‬العرب‭ ‬كان‭ ‬يمولون‭ ‬تنظيمات‭ ‬وأحزاباً‭ ‬بالسلاح‭ ‬والمال‭ ‬والخبراء‭ ‬أيضاً‭. ‬وهذه‭ ‬حقيقة‭ ‬توازي‭ ‬حقيقة‭ ‬توحش‭ ‬نظام‭ ‬سوريا‭ ‬على‭ ‬الصوت‭ ‬المعارض‭.‬

لكن‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يتصرفوا‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬منظمة‭ ‬مسؤولة‭ ‬لحل‭ ‬مشاكل‭ ‬أعضائها‭ ‬،‭ ‬فحين‭ ‬حدثت‭ ‬ازمة‭ ‬سوريا‭ ‬ثم‭ ‬الحرب‭ ‬فيها‭ ‬عزف‭ ‬العرب‭ ‬فوراً‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬عزل‭ ‬سوريا‭ ‬واسقاط‭ ‬نظامها‭ ‬،‭ ‬وكأنّ‭ ‬انظمتهم‭ ‬السياسيةمنزّهة‭ ‬يديرها‭ ‬ملائكة‭. ‬ومما‭ ‬يؤسف‭ ‬له‭  ‬أن‭ ‬انزلقت‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬التجاذبات‭ ‬،وأصبح‭ ‬حالها‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬توصيف‭ ‬،انها‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬كل‭ ‬السوريين‭.‬

رئيس التحرير

لندن

مشاركة