مكاتيب عراقية
لا يبدو أن قصة الموت المرعب لجمال خاشقجي ستنتهي قريباً ، وستتم الإجابة عن كل الأسئلة التي سوّرتها ورافقتها ، منذ أن وقعت الواقعة في الثاني من تشرين الأول البائد .
دعائياً وسياسياً وحتى اقتصادياً ، ظلت تلك القصة المثيرة للإشمئزاز والخوف ، تدور حول شبهة واحدة لا ثانية ولا ثالثة لها ، وهي أن الفاعل هو دولة اسمها المملكة العربية السعودية ، وأن أمر القتل قد صدر عن شخص واحد اسمه محمد بن سلمان ، وعمله هو ولي عهد المملكة ورجلها القوي حتى الآن .
تركيا التي وقعت الجريمة فوق أرضها ، ظلت تتعامل معها باسلوب “ التقسيط المريح “ الذي يضرب ويينتظر حصاد الضربة ، وبعد أن تقوم السعودية الضعيفة وغير القادرة على المحاججة والمرافعة ، بتسديد فواتير الأسئلة المرمية فوق طاولتها من قبل الأتراك والأمريكان على حد سواء ، تبدأ مرحلة جديدة وأسئلة أخرى ، لها صلة قوية بالحلب وبشكل العلاقة القائمة اليوم بين الترك والسعوديين وهكذا دواليك ودواليها .
في هذا الباب الذي سيظل مفتوحاً طويلاً ، اشتغلت أشرس وأخبث وسائل الدعاية والإعلام ، على إخفاء الدور التركي المفترض ، والأسئلة الضخمة التي تتصل به ، ومنها أن تركيا كانت علمت بالمقتل منذ دقائقه الأولى ، وأن مخابراتها كانت تغطي كل مبنى قنصلية السعودية وبيت قنصلها باسطنبول ، وان لديها كل مشهد الفلم الذي يبدو انه قد صنع بعناية ، بل أن الأتراك كانوا اسقطوا أنفسهم في اكثر من محطة من محطات هذه الواقعة في بئر الشبهة ، عندما سربت جرائد قريبة جداً من الرئيس أردوغان ، صورة خبرية تقول ان الأتراك كانوا يعلمون بتلك المؤامرة حتى قبل وصول ودخول المجني عليه الى بطن القنصلية ، وفي هذا الحد الخطير ، لم يتحدث أحد لا في تركيا ولا في أمريكا ولا في أوربا ، عن السبب الحقيقي الذي جعل تركيا تقف بموقف المتفرج ولا تقوم بمنع خاشقجي من الدخول الى القصّابخانة ، وتالياً سماحها بمغادرة فريق الإغتيال الكبير بسهولة ويسر ، تبعه مغادرة الشاهد الأعظم وهو قنصل المملكة لدى الباب العثماني .
صار واضحاً جداً الآن أن الرئيس رجب كان يعرف بالموقعة الفاجعة منذ لحظاتها الأولى ، لكنه فضل السكوت وتقسيط الكشف وجلد ظهر المملكة ، حتى وصل اليوم الى مرحلة تبدو نهائية جداً ، وهي مرحلة القول الفصل والخبر اليقين ، لكن بعد مرور أزيد من شهرين ونصف الشهر على حدوث المصيبة !!!
سنجرب الآن فكرة أن واقعة جمال خاشقجي كانت ثأراً وفخاً تركياً كبيراً نصب للسعوديين الذين أغرقوا أنفسهم بمستنقعات فائضة لم يحسبوا نتائجها جيداً ، ومنها أن المملكة ودول عربية أخرى تحت عباءتها الاقتصادية على الأقل ، كانت وضعت حركة الأخوان المسلمين في قائمة الإرهاب ، وهذا معناه بالعربي الفصيح أنها تعتبر الرئيس الاخواني رجب ارهابياً ، فكيف تطلب منه اليوم السكوت ونسيان تلك الصفعة ؟!