خارطة طريق ناقصة للاستقرار

خارطة طريق ناقصة للاستقرار
حرب بلاغات ومليونيات غير واقعية بين القوى السياسية في مصر
القاهرة ــ الزمان
تصاعدت حرب البلاغات والتهديد بالمليونيات بين قوى ليبرالية وإسلامية في مصر، على خلفية أحداث مليونية كشف الحساب التي أسفرت عن إصابة 121 شخصاً أول أمس الجمعة. ودعا 34 حزباً وحركة سياسية ليبرالية إلى تنظيم مليونية الجمعة المقبلة للرد على ما أسموه هجوم أنصار جماعة الإخوان المسلمين على المتظاهرين في مليونية كشف الحساب بميدان التحرير، وسط القاهرة.
وحمَّل الداعون للمليونية في بيان أصدروه، عقب اجتماع لهم بالقاهرة مساء أمس السبت، وحصل مراسل وكالة الأناضول للأنباء على نسخة منه الجماعة والرئيس محمد مرسي، مسئولية أحداث مليونية كشف الحساب ، مطالبين الإخوان باعتذار رسمي عن أحداثها.
وفي السياق ذاته تقدمت أحزاب وقوى ليبرالية، على رأسها حزب الدستور الذي يرأسه المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، بـ 53 بلاغاً ضد قيادات جماعة الإخوان تتهمهم بالاعتداء على المتظاهرين السلميين بميدان التحرير، الجمعة، بحسب صحف محلية مصرية. وفي المقابل تقدمت جماعة الإخوان بـ 3 بلاغات تتهم فيها مسجلي خطر بحرق أتوبيسات الجماعة بالميدان خلال الأحداث ذاتها. وشهد الجمعة أحدث فصول حرب المليونيات بين الليبراليين والإسلاميين، عندما نظمت قوى ليبرالية مليونية كشف الحساب بميدان التحرير وسط القاهرة، احتجاجاً على أداء الرئيس محمد مرسي.
إلا أن إسلاميين تظاهروا في الميدان في اليوم نفسه احتجاجاً على تبرئة المتهمين من رموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك في واحدة من أكبر قضايا قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير والمعروفة إعلامياً باسم موقعة الجمل .
وشهد ميدان التحرير مشادات بين المتظاهرين من الطرفين انتهت إلى اشتباكات أسفرت عن إصابة 121 شخصاً بحسب إحصائية لوزارة الصحة المصرية.
من جهتها هددت قوى وأحزاب إسلامية مساء أمس الاول، بالتظاهر في مليونيات غضب الأيام المقبلة احتجاجاً على ما اعتبروه تراجع الرئيس مرسي عن إقصاء النائب العام المستشار عبد المجيد محمود من منصبه ، وللمطالبة بإقالة محمود. وقال محمد أبو سمرة، أمين عام حزب السلام والتنمية ، الإسلامي، مرسي بأن يتمسك بحقوقه الثورية والشرعية والدستورية فى إقصاء النائب العام وعدم التراجع عن قراره . أما هشام أبو النصر، أمين الدعوة السلفية بمحافظة الجيزة، جنوب القاهرة، فقال في تصريحات إعلامية إن تراجع الرئيس لا مبرر له، خاصة أنه لم يقل النائب العام بل أسند إليه مهمة سياسية أخرى، هى تمثيل مصر فى الفاتيكان . وقبل أيام ثارت أزمة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود حين أعلنت مؤسسة الرئاسة الخميس الماضي عن تعيينه سفيرا في الفاتيكان في ما بدا أنه إقصاء له من منصبه بعد يوم واحد من صدور حكم تبرئة المتهمين في موقعة الجمل ، إلا أن الأخير أعلن رفضه للقرار وتمسكه ببقائه في منصبه، وهو ما أسفر في النهاية عن تراجع الرئاسة عن قرارها. وبدأت حرب المليونيات بين القوى الليبرالية والإسلامية في مصر عقب أحداث ثورة 25 كانون ثاني 2011 ، حيث بدأت تلك الحرب بما عرف بـ مليونية الدستور أولا ، التي نظمتها قوى ليبرالية في منتصف عام 2011 للمطالبة بوضع دستور جديد للبلاد قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بالرغم من أن استفتاء أجري في 19 آذار من نفس العام أسفر عن ترجيح إجراء الانتخابات أولاً. القوى الإسلامية في المقابل كان لها رأي آخر حيث نظمت مليونية الانتخابات أولا في منتصف العام نفسه، للمطالبة بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل وضع الدستور. ولا يكاد يمر شهر على مصر دون أن تشهد مظهر من مظاهر عدم الاستقرار السياسي.
فمن الحكم ببراءة مساعدي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، إلى أحداث مذبحة رفح وأزمة حل الغرفة الأولى للبرلمان، مرورا بالمظاهرات الفئوية وأحداث السفارة الأمريكية في القاهرة، وانتهاء بأزمة إقصاء النائب العام من منصبه والحكم بتبرئة المتهمين بقتل متظاهري ثورة 25 يناير في ما يعرف بـ موقعة الجمل . وما بين كل أزمة وأخرى، لا تلبث مصر أن تشهد حالة من الاستقرار السياسي النسبي التي لا تدوم طويلا، وهو ما جعل سؤالا ملحا يثور على ألسنة كثير من المصريين كيف يتحقق هذا الاستقرار السياسي؟ وما هي آلياته؟ واجمع خبراء أن الاستقرار يبدأ بخطوات محددة من مؤسسة الرئاسة، تتمثل في وضع استراتيجية واضحة للعدالة الانتقالية، وخطة عاجلة لإصلاح وتطهير مؤسسات الدولة، فضلا عن دراسة متأنية للقرارات قبل إعلانها ومزيد من الحرص على التوافق مع باقي القوى السياسية.بحسب قولهما. أيمن الصياد رئيس تحرير مجلة وجهات نظر ، رأى أن المراحل الانتقالية من نظام مستبد إلى نظام جديد ديمقراطي تحتاج لمجموعة من الاشتراطات المعروفة في العلوم السياسية بعنوان مبادئ العدالة الانتقالية، وتتمثل في خمسة اشتراطات . وأوضح أن تلك الاشتراطات تعد بمثابة خارطة الطريق لتحقيق الاستقرار المنشود ، وهي كالتالي
1 ــ المحاسبة بكل ما تعنيه هذه الكلمة بمعنى أنه لا يمكن أن تقام دولة جديدة دون أن يشعر الشعب بأن هناك محاسبة على جرائم النظام السابق الذي ثار عليه
2 ــ توثيق الحقيقة الذاكرة بمعني أن يشعر الضمير الجمعي للشارع بالخطوط الفاصلة بين ما هو صواب وما هو خاطئ من ممارسات في الحكم.
3 ــ التعويض بمعني تعويض المتضررين عن العقود الماضية والنظام القديم ، سواء من جرائم تعذيب أو فساد أو غيرها من الأضرار التي قام بها النظام السابق والتي تحتاج لتعويض من تضرر بها. 4 ــ إصلاح المؤسسات وفي مقدمتها 3 مؤسسات؛ هي المؤسسة الأمنية والقضاء والإعلام.
5 ــ المصالحة وتأتي بعد استيفاء الشروط الأربعة السابقة، والمقصود من المصالحة هو فتح صفحة جديدة بين النظام الجديد والمؤسسات التي أخطأت أو تغولت وكذلك الأفراد، فعلى سبيل المثال، ضباط الشرطة جميعهم كانوا يعملون في المؤسسة الأمنية في النظام السابق، وكذلك الأعضاء العاديين في الحزب الحاكم وموظفي الإدارات المحلية يمكن التصالح مع من يتمكن منهم من الانخراط في النظام الجديد.
إلا أن الصياد شدد على أنه لن يتحقق ذلك إلا بعد إعلاء مبدأ المحاسبة، فالمحاسبة شرط للمصالحة بمعنى أن صاحب الحق يملك العفو، بعد ذلك من باب من عفا وأصلح فأجره على الله، ولكن بعد صدور أحكام .
وأوضح أن النظام الجديد منذ وصوله للحكم انشغل بالمشكلات الحياتية اليومية من خبز ووقود ومطالب فئوية مجتمعية، وهو ما أخذ ويأخذ منه جهدا ووقتا طويلا، وبالتالي لم يسمح بعد بتطبيق هذه الاشتراطات الخمسة بشكل كامل .
واقترح الصياد الذي يعمل كمستشار للرئيس المصري إنشاء هيئة مستقلة للعمل علي تحقيق العدالة الانتقالية من خلال تلك الملفات الخمسة ، مضيفا و مازلت أحاول أن تكون تلك الملفات من مهام الهيئة الاستشارية للرئاسة.
من جانبه، رأى أشرف الشريف، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن مفتاح الاستقرار في مصر يتحقق بتطبيق التغييرات التي طالبت بها الثورة، وإعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها بشكل يقلل الخسائر والمواجهات بين النظام الجديد وفئات وقوى ومؤسسات المجتمع .
وأوضح أن الاستقرار السياسي يتطلب تغيير نوعية السياسات العامة خاصة الاقتصادية منها والاجتماعية، وهذا لم يتحقق بعد، ويبدو لنا أن مؤسسة الرئاسة مازالت غير قادرة علي المضي قدما في اتخاذ مثل هذه القرارات، بل يتضح لنا أنها تحاول احداث نوع من المواءمات والتصالح مع بعض رجال النظام السابق من خلال تكريمهم أو إبقائهم في مناصبهم . وأشار الشريف إلى أن الشارع لا يلمس المجهود الذي تبذله مؤسسة الرئاسة ولكن ما يلمسه أو يشعر به هو نوع من التخبط في القرارات ولذلك فالمرحلة القادمة إذا كان هناك رغبة منشودة في تحقيق الاستقرار، تحتاج إلى دراسة متأنية للقرارات قبل إعلانها .
وطالب الشريف بضرورة أن تعترف مؤسسة الرئاسة بأن المسار خلال الفترة الماضية كان خاطئ، يجب أن تكون هناك إجراءات لتصحيحه، من بينها الانطلاق نحو الحفاظ على ما تبقى من علاقات بينها وبين القوى السياسية، وتدفع لدعم تلك العلاقات بدلا من الصدام معها، خاصة وأن أحداث يوم الجمعة الماضية دعمت عدم الثقة في مؤسسة الرئاسة من قبل القوى السياسية . وشهد الجمعة الماضي اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين للرئيس مرسي في منطقة ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة والشوارع المؤدية إليه، وهو ما أرجعه بعض المحللين المستقلين إلى إصرار جماعة الإخوان المسلمين على التظاهر في ذلك اليوم احتجاجاً على تبرئة القضاء للمتهمين في موقعة الجمل ، رغم إعلان قوى معارضة من قبل عزمها التظاهر في اليوم ذاته تحت عنوان كشف الحساب للرئيس. وفي هذا السياق، رأى الشريف أن الرئيس مرسي اكتسب خلال الفترة الماضية شعبية وتعاطفا حقيقيا من الشارع المصري على خلفية جهوده، إلا أن تحركات جماعة الإخوان المسلمين التي وخلال أشهر قليلة من توليه مهام منصبه في 30 حزيران الماضي، نجح الرئيس المصري محمد مرسي في تنحية الوجوه البارزة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك من مختلف المواقع الرئيسية لاتخاذ القرار، والتي كان تغييرها مطلبا شعبيا.
لكن الرئيس المصري لم ينجح هذه المرة في إقالة النائب العام عبد المجيد محمود الذي صدق مبارك على قرار تعينه في تموز 2006 خلفا لـ ماهر عبد الواحد.
وكانت العديد من القوى السياسية والثورية قد طالبت في أكثر من مناسبة بإقالة النائب العام، بعد أحكام البراءة المتكررة التي صدرت بحق المتهمين بقتل المتظاهرين خلال أحداث ثورة 25 كانون الثاني 2011. لكن هذه المطالبات كانت عادة ما تواجه بتصريحات من جهات قضائية وسياسية تشدد على أن إقالة النائب العام ليست من صلاحيات رئيس الجمهورية. ولعل أبرز وجوه عهد مبارك التي نجح مرسي في تغييرها خلال أقل من 3 أشهر محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق، وسامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة اللذين تمت إحالتهما للتقاعد في 12 آب الماضي، إضافة إلى جودت الملط الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، ومحمد فريد التهامى الرئيس السابق لهيئة الرقابة الإدارية. كما نجح مرسى في تغيير جميع وزراء الوزراء والمحافظين. ويعد صفوت النحاس الرئيس السابق للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وأحد كبار رجال الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم سابقا و المنحل حالياً، آخر وجوه مبارك التي أزاحها مرسي من مناصب قيادية بالدولة، وكان ذلك يوم 4 تشرين الأول الجاري. ولم يبق قيادات عهد مبارك في مراكز صنع القرار على المستوى القومي سوى النائب العام، فضلا عن قيادات أخرى تعمل في مختلف أجهزة الدولة، لكنها خارج دائرة صنع القرار على المستوى القومي.
وأطلقت رئاسة الجمهورية، بحسب مراقبين للشأن المصري، بالونتين اختبار مؤخرا لجس نبض الشارع والوسط القضائي حول عزل النائب العام، الأولى عندما تردد في الأوساط الصحفية والسياسية أن مرسي سوف يتخذ خلال ساعات قرارا بتغيير النائب العام نظرا للحالة الصحية السيئة التي يعاني منها، وتواجده لفترات طويلة في ألمانيا لإجراء فحوصات طبية، وهو ما يؤثر على سير العمل.
وجاء رد النيابة العامة سريعا على ذلك بإصدارها بيانا يؤكد أن عبد المجيد محمود في صحة جيدة، وأنه يتابع عمله تليفونيا من الخارج، وأنه يسافر لألمانيا كل فترة من أجل إجراء فحوص طبية عادية.
ويوم الخميس الماضي، أطلقت الرئاسة بالون اختبار ثان تزامن مع غضب الشارع المصري على حكم براءة جميع المتهمين في القضية المعروفة إعلامياً باسم موقعة الجمل ؛ حيث أعلنت تعيين محمود سفيرا لمصر في الفاتيكان، وهو ما يعني عمليا إقصاء الرجل من منصبه.
ورغم تقبل قوى سياسية وثورية لهذا القرار، إلا أنه تسبب في حالة من الغضب في الأوساط القضائية؛ حيث أعلنت رموز وهيئات قضائية عديدة وقوفها إلى جانب بقاء النائب العام في مصر، وشددت على رفضها لما وصفته بـ التدخل السافر في شؤون القضاء من جانب السلطة التنفيذية، في إشارة لقرار الرئيس تعيين محمود سفيرا لمصر في الفاتيكان. وتعليقا على هذه الأزمة، أوضح مصدر قضائي لمراسل وكالة الأناضول للأنباء أن النائب العام يتمتع بحصانة قضائية ولا يجوز تغييره من جانب رئيس الجمهورية إلا في 5 حالات هي الوفاة، أو الاستقالة، أو بلوغه سن التقاعد عند 70 عاماً، أو إدانته من خلال مجلس التأديب والصلاحية التابع لوزارة العدل أو إصابته بمرض خطير. وأضاف المصدر أن ذلك المرض الخطير لا يحدده الرئيس أو المجلس الاعلى للقضاء بل لابد من تعيين لجنة طبية لتحديد مدى خطورة هذا المرض بحيث يمنع النائب العام في النهاية من ممارسة عمله بشكل طبيعي، موضحا أن سفر النائب العام إلى المانيا لإجراء فحوص طبية لا يعني أنه مصاب بمرض يمنعه من مباشرة عمله.
ونجح عبد المجيد محمود في الإفلات من الإزالة من منصبه عندما كشف في بيان مفصل تفاصيل ما حدث معه والاتصالات التي استقبلها من أحمد مكي وزير العدل وحسام الغرياني رئيس مجلس الاعلى للقضاء الأسبق ورئيس الجمعية التأسيسية لوضع الدستور لمطالبته بترك منصبه. وعلى الفور كلف الرئيس مرسي نائبه المستشار محمود مكي بحل الأزمة التي انتهت بعودة النائب العام والإعلان رسميا عن استمراره في منصبه وفوز جبهة القضاء على مرسي، بحسب ما رأى مراقبون.
AZP07

مشاركة