جنون الوداع – نصوص – ابتهال الخياط
انهال التراب امام عينيها على حفرة حوت بضعة أشياء مما ترك زوجها في البيت قبل خروجه الى حيث اللاعودة , ثمان سنين انقضت وهي تبحث في كل مكان ولاجدوى , فقررت دفنه في هذه الحفرة لتزوره كل حين وتتحدث اليه , فالامر الاقرب الى الفكر هو موته كما الكثيرين ممن تم دفنهم جماعيا في كل مكان. يالقساوة السنين وثقل الذكريات و حرقة الدموع . ذهب الدّفان فخرت تبكي على التراب وهي تقول “الحمد لله أني أشم رائحتك هنا..يبدو انه القرار الصحيح” .
………………..
اليوم التالي.
قامت خولة من فراشها وارتدت ملابس سوداء ,كان حسن و مريم ينظران اليها بحزن ربما قد شعرا بان وفاة ابيهما قد حلت الان , فأجهشا بالبكاء .
جلست الام خولة على الاريكة وقالت: علينا ان نتوقف عن التفكير بامكانية عودته فمايحدث ومانسمع يمحو كل أثر لحلم او توقع بوجوده حيا. ساعدوني انه ليس بالامر الهين عليّ فلست بجبل انما مجرد امرأة تبحث لكم عن سبيل للحياة .سأتابع الاجراءات القانوية لاعلان وفاته .
حسن: لا يا أمي ابقيه حيا ارجوك.
مريم: نعم يا أمي لنبقى بانتظاره .
الام: وماتذكرون منه ياأولاد ؟
حملت حقيبتها وخرجت وهي تراه يوم رحيله حين رفع عينيه عن الماء يسقي به الاشجار في الحديقة وشخص ببصره الى السماء والتفت اليها ضاحكا وقال : كبرنا ياخولة أتّذكر كيف داعبني القدر ورأيتك أمامي في الطريق وكأنك حلم جميل ومازلت جميلة لكن الحياة تبدو لي هزيلة رتيبة وبائسة أفكر بالسفر بعيدا لبعض الوقت ,هل تقبلين ؟
آهاتها تعالت وهي تسير حتى سمعها المارون بقربها فقالت تحدث نفسها: وقبلت برحيلك ببرود كإمراة لم تحسن الحب والان لا تحسن الانتظار ..كم أنا شقية وبائسة.
سأسجل وفاتك اليوم بلا ساعة وبلا دقيقة انها ورقة صفراء خالية كما هو قبرك الخاوي .
………..
حلَّ المساء.
عندما خيم الليل كان اليأس والرعب قد غلبا خولة فتساءلت: انه مات اليوم فعلا أشعر بخوائي من كل شيء ..وكأنه كان ينتظر أن أدفنه وأسجل موته ..ماكنت اشعر في كل سنين غيابه كما أشعر اليوم .”فشرعت تبكي وتئن وتعض على يديها بقسوة وبصورة محزنة “
قالت لنفسها وهي تنظر في المرآة: لو كنت من البشر لفكرت بشكل افضل ,لكنني لم اعد قادرة على التفكير بعودته .”التفتت الى احدى الجرار” مازال المسدس هناك من المحال ان أعيش هكذا ! يجب ان اطلق النار على نفسي .
ركضت وهي ترتجف لترفع المسدس وتضعه على رأسها وهي تنظر بجنون الى المرآة : ان استطعت ان أقتله بموافقته على الرحيل ثم بدفنه بلا يقين فاني استطيع ان اقتل نفسي بالتأكيد..”وأطلقت النار” لكن لا رصاص فالمسدس خاوي صدئ منذ سنين .فانهالت تضرب به على رأسها وتصرخ فدخل حسن ومريم فزعين لقدكانت الدماء تسيل من رأسها فاحتظناها وحل موسم البكاء المحبوس ..ولا وجود للاب بينهم .
……………….
لقد حلَّ الصباح
هاهي خولة وقد نزعت عنها السواد وقالت : سننتظر.
وعادت لتنهي ماقامت به قائلة للموظف: لقد وصلنا خبر منه انه حي .
وذهبت لتزور القبر فأمسكت بالتراب وشمته وقالت: سأبقى معك هنا فلا ترحل.


















