جنازات صامتة ومسيرات غائبة
فاتح عبدالسلام
منذ شهور بعيدة تحدثت في هذه المساحة الصغيرة عن عدم قدرة أي طرف في سوريا على الحسم العسكري يوم كان مثل هذا الاستنتاج مبكراً ومثيراً للاستغراب. وتلقيت ردوداً متطرفة من جانب الموالاة والمعارضة على حد سواء. حيث ذهب الموالون إلى أن الحسم العسكري متحقق بيد القوات النظامية ذات التجهيز الأعلى والمؤيدة من الشعب، ما لبثت هذه القوات النظامية التي كانت تقيم استعراضات تشييع مهيبة لقتلاها إلى التكتم عليهم ودفنهم في صمت وسرية أحياناً. أمّا المعارضون فكانوا منذ البداية يعولون على انهيار المعنويات لدى القوات النظامية ودليلهم كثرة الانشقاقات والهروب من الخدمة العسكرية وعدم الاعتماد عليهم في المهمات القتالية الصعبة وإحلال قوات الفرقة الرابعة مكانهم.
في هذه الأيام، يعود الحديث بقوة عن عناصر الحسم العسكري، ويبدو إنّ الكلام لم يعد وسيلة عرض تلك العناصر، وإنّما هي العمليات العسكرية على الأرض التي تطورت على نحو غير مسبوق ودخلت مناطق استراتيجية قرب دمشق في صلب العمليات الحربية وسط أنباء عن خلو قصر الشعب ممن كان يشغله من طواقم رئاسية إلى جانب الحديث القوي عن غياب الرئيس نفسه عن شاشة الأحداث المرئية في سوريا للمراقبين الدوليين قبل المحليين.
خبراء كثيرون لازالوا يقولون إن الوضع الاقتصادي والمالي على سوئه لم يبلغ المدى الذي يخرج فيه بقية السوريين عن صمتهم ليضعوا حداً لأزمة دموية وغياب الاستقرار والأمان وليكونوا هم العنصر الأهم على الارض في ترجيح كفة الحسم عبر أشكال مختلفة من التعبير الرافض عن انهيار سوريا أمامهم وهم ساكتون عن قناعة أو إجبار أو مضض.
لكن إلى متى تستمر العملة المحلية السورية في تماسكها النسبي في ظل فقدان الموارد وكثرة استنزاف العجلة العسكرية للدولة.
ثمّة عناصر ستضاف إلى أسباب الحسم في يوم تزداد فيه خلخلة الموازنات داخل دمشق بالذات. مع مراعاة حقيقة إن الحكم في سوريا فقد نهائياً القدرة على تسيير مسيرات مؤيدة له داخل دمشق وهذا هو دليل دامغ على عدم العافية لنظام كان يعتمد على ذلك التجييش في محاولة تغطية الحقائق والقفز فوقها، وهو ما أوصل سوريا إلى هذه النهاية الكارثية المحزنة.
FASL