جليد موسكو يغرق الواهمين – جاسم مراد

جليد موسكو يغرق الواهمين – جاسم مراد

كان البعض من الغرب ، يتصور بإمكانه العبور بسلام جليد موسكو ، فكانت عملية الغرق اكثر من العبور ، بالتأكيد لم تكن عملية عصيان فاغنر والزحف نحو موسكو سهلة ، بل كانت من اخطر الاثار على الحرب الروسية الاكرونية وعلى النظام السياسي بقيادة فلاديمير بوتن ، وبما إن المسألة انتهت بإدارة راجحة وناجحة لقيادة بوتين في إدارة وتفكيك هذه القضية ، لكن الأهم من بين الجميع هو تمسك الشعب الروسي بوطنيته العالية وعدم الخضوع للهجمة الإعلامية الغربية وكذلك لمراكز التواصل الاجتماعي المليونية التي استهدفت الانسان بحد ذاته وروسيا الاتحادية بكافة مؤسساتها .

هذا الموقف الوطني للشعب الروسي بكافة مكوناته الوطنية ، هو نتاج حقيقي للالتزام والايمان القومي بروسيا التاريخ والحاضر ، ولكن يبقى السؤال المهم ، هو مهما قدمت الفرق العسكرية التي تعمل خارج مؤسسات الدولة من شجاعة وتضحيات فأنها تبقى رهينة للنزعات الفردية والمغامرات واحتمالية الاختراقات من اطراف خارجية ، وبالتالي تصبح ثقلاً وخطراً على الوطن .

وإلا لماذا يقطع الجنرال بريغوجين قائد كتائب فاغنر مئات الكيلو مترات ويتوجه الى العاصمة الروسية موسكو لتغيير النظام ، وهو بالتأكيد لا يستطيع فعل ذلك أمام مليون ونصف المليون عسكري روسي بكامل أسلحتهم المتقدمة جداً ، لكن كان الرهان على الداخل الروسي ، على الانشقاق الشعبي بين مؤيد ورافض وبالتالي تكون الحرب الاهلية ، وهذا بالضبط هو الذي راهنت عليه العديد من أجهزة الامن والمخابرات الأجنبية الغربية ، وقد فشلت في التقديرات والاحتمالات لإضعاف موسكو ، وقد لعب دوراً في اسقاط تلك الرهانات هو الشعب الروسي ذاته .

لم تتأكد المعلومات التي تشير الى إن جزءً من فاغنر كان له اتصالات مع اطراف خارجية ، وإن ما اشاعته بعض وسائل الاعلام الغربية حول هذه المسألة لم تؤيده موسكو ، ولم تكشفه بشكل واضح الأطراف الأخرى ، لكنه يبقى احتمالاً   واقعاً في مثل هذه الظروف التي يخوض فيها الطرفان روسيا الاتحادية من جهة والحلف الأطلسي من الجهة المقابلة حرباً ضروس ، يستعمل كل طرف أسلحته ماعدا السلاح النووي ، وهو قابل للاستعمال إذا ما اخذنا التهديدات وتوزيع الاساطيل في البحار بنظر الاعتبار .

لغة المدافع

كل الوساطات الافريقية والاسيوية والعربية ، لم تفلح لأقناع الأطراف بتغليب لغة الحوار على لغة المدافع ، وهذا الأمر كما يبدو يتعلق بدور الشركات والكارتلات العالمية المصنعة للسلاح فهي الطرف المستفيد من هذه الحرب المدمرة ، رغم علم الجميع من إنه ليس بالإمكان هزيمة روسيا التي وصل النازيون الى أبوابها وتمكنت بعد 27 مليون قتيل استعادة المبادرة والوصول الى قلب برلين ، ولا أحد من المتذكرين ينسى حصار ليننغراد التي قاومت عبر استخدام اعلاف المواشي عصيدة للأطفال ولم تستسلم .إن الخاسر الأول بهذه الحرب هو الشعب والجيش الاوكراني ، حيث استُخدم هذا الوطن المذبوح طعماً لمشاريع سياسية باتت في حكم الملغاة ، حيث لم يعد العالم ولا التطورات الجوسياسية والاقتصادية والجغرافية قبول طرفاً واحدا يتحكم بمصير العالم ، وحتى هذا الطرف لم يستحسن قيادة العالم طيلة فترة التحكم بنشر العدالة والمساوة والحرية للشعوب ، بل استعمل هذه الوحدانية بطرق مؤلمة ومنها الحصارات والغزوات وتركيب الاتهامات ، وهذا ما جرى لشعب العراق والشعوب الأخرى في المنطقة وامريكا اللاتينية .

إن مجريات التطورات العالمية تشير بأن القطبية المتعددة ، وكذلك مشاركة اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية بعضوية كاملة في مجلس الامن باتت من الأمور التي لابد من تحقيقها ، وكل عمليات الاطالة والمراوغة لم تجدي نفعاً بقدر ما تلحق ماسي جديدة لشعوب العالم ، وإلا كيف يمكن وقف التطور الاقتصادي الصيني الذي دخل لكل بيت في المعمورة وهو الاقتصاد الذي سيصبح الأول في العالم عام 2025 حسب تقديرات الغرب نفسه إن لم يكن قد وصل فعليا ، ناهيك عن التطور التصنيعي العسكري الروسي إضافة للاقتصاد وكذلك تتقدم الهند بخطى واضحة ومهمة ودول اسيا ، إن العالم يتطور ولابد من التفاعل بعقلية جمعية سلمية متعددة الأطراف ، فبدون ذلك هي الحروب المدمرة والجوع وثورات الشعوب .

مشاركة