ثلاثة أسئلة
عوّاد ناصر
1 لماذا؟
الـ لماذات جمع لماذا ، دائماً، أكثر من الـ لأنّات جمع لأن عندما تنتعش ثقافة السؤال المجدي في ميدان من الميادين، وأقصد، هنا ميدان انتاج الأفكار.
والعكس يصح تكثر الـ لأنّات عندما يصبح الجميع علماء يجيبون على أسئلة الجميع، من غير العلماء، إذ تنتعش ثقافة الثرثرة ويفقّس البيض عن ديوك فصيحة تصم بصياحها الآذان حتى لو لم تكن هناك دجاجة واحدة في العالم.
الـ لماذا أداة استفهام، أي مفتاح معرفي أولي لفهم الذات والآخر، وأجمل الـ لماذات وأخطرها هي لماذات الأطفال.
حب المعرفة المقرون بالبراءة وخلو المتسائل من منفعة التورية وأخلاقياتها، ومن ادعاء العلم، مرضاً مستوطناً، هي شروط السؤال الحقيقي الذي نفتقده نحن الكبار.
أتذكر أحد أساتذتي في المتوسطة الجعفرية المسائية محمد علي الهاشمي كان يسألنا فور انتهائه من محاضرته من منكم يعرف كيف يطرح سؤالاً؟.
لماذا يكره الكثير من الأطفال الذهاب إلى المدرسة؟
السؤال المعرفي هو سؤال فني و كل طفل فنان، المشكلة هي كيف تظل فناناً عندما تكبر؟ بابلو بيكاسو.
2 لماذا؟
لماذا ازدرى ستيفان تزفايج بطله المعجزة في الشطرنج؟
يضعنا تزفايج أمام لعبة بل فيها، مع ركاب باخرة مسافرة نحو الأرجنتين، كان على متنها لاعبا شطرنج، أحدهما هو بطل العالم، يتمكن من هزيمة متحديه من ركاب الباخرة، لكن المتحدي الوحيد على ظهر الباخرة هو من يهزمه أو يتعادل معه لا أتذكر بالضبط فالمعذرة رغم أنه لا يجيد تكتيك اللعبة إنما يتميز باستعمال عقله، إذ كان سجيناً في سجن انفرادي تحت الاحتلال النازي للنمسا، وفي زنزاته تعلم اللعبة بعد أن صنع آلاتها من العجين.
جعل تزفايج من بطل العالم اضحوكة أمام المسافرين لأنه لا يجيد أي شيء في حياته غير أن يفوز في الشطرنج.. وماذا في ذلك؟
يحاول هذا الروائي، الذي أحبه، أن يبعث برسالة مفادها، وباختصار، أن على الإنسان أن يكون مفتوح الذهن، لا أحادي التفكير الذي هو الشكل الوحيد للتقنية.
أو ليس العالم يقوم اليوم على مجهودات أولئك الأشخاص من وحيدي التقنية في ما ندعوه بالتخصص؟
بالمناسبة، ثمة رواية أخرى لهذا الكاتب مدارها لعبة أيضاً، هي المقامرة لعب الورق اسمها 24 ساعة في حياة امرأة .
3 ما روايتك المفضلة؟
في دردشة ما، ذات يوم، مع سيدة أنيقة، قارئة جيدة، سألتني، من بين ما سألت ما هي روايتك المفضلة؟ ثم أضافت هل يقرأ الشعراء الروايات؟
سؤالان في سؤال واحد.
صبت لي كأساً من النبيذ الأحمر ثم استدارت لتشعل موقد الحطب، وأنا أحب الإثنين معاً أكثر مما أحبهما منفردين النبيذ قرب موقد حطب، فكيف إذا كان الثالث سيدة أنيقة وقارئة جيدة؟
الكلام على الرواية والروائيين فيربكني كثيراً، ربما يعود الأمر إلى عقدة الشاعر إزاء الروائي. عالمان مختلفان في الشعر تقطير المنثور وفي الرواية نثر المقطّر.
أزعم، أنني قارئ جيد للرواية، أي قياساً بما يشاع من أن الشعراء يقرأون الشعر، وأظن أن الشعراء هم أقل الناس قراءة للشعر ّ
يشق عليّ، يا سيدتي، أن أجيب قاطعاً مانعاً، لأن كل رواية عالم قائم بذاته والراوئي هو خالق هذا العالم. إن الروائيين يشبهون آلهة البشر منذ الأزل حتى الأبد، لكل إله رسالة وأسلوب، وبين الروايات الكثيرة التي قرأتها يشق علي أن أختار، وإن كان ولا بد فهي حوالي مئة رواية من بين ما شاء حسن حظي أن اقرأها، وهناك مئات منها شاء سوء حظي أن لم أقرأها بعد
AZP09