تلك الكتب
إبداع لكل العرب
الامر الذي لاشك فيه ان قومية الادب العربي والثقافة العربية حقيقة قوية وثابتة ومستمرة، وانها ليست وليدة هذه الظروف او تلك، او ناتج جهود هذه الدولة او تلك او هذا الحزب او ذاك، وانما هي وجود متأصل ومتجذر في الادب العربي والثقافة العربية، وجاءت الظروف وبعض الدول والاحزاب لتتخذ منها وسيلة ونهجاً، ولتجعل منها نظرية لدراسة وتعزيز الخصائص الثقافية للامة العربية.
ومع ان الظروف الراهنة تشهد حصول ضعف في الاتجاهات والتوجهات السياسية القومية، وتشهد محاولات مدعومة لتعزيز وترسيخ الاتجاه القطري والاقليمي الا ان الابداع الادبي والثقافي في الاقطار العربية كافة يظل بارزا وقويا ومؤثراً، وتظل العيون مشدودة اليه في انحاء الوطن العربي كافة، ويظل متواصلا مع افضل المراحل والحلقات الابداعية والمتطورة في الثقافة العربية على امتداد تاريخها.
واذا كانت السياسة قد لعبت دوراً مهما في بعض المراحل لترسيخ وتعزيز اصالة الطابع القومي للادب العربي والثقافة العربية فان الابداع يمكن ان يمارس دوراً اكثر فاعلية في ذلك ، اذ ان الابداع لا يمكن ان ياخذ مداه الكامل دون ان يتواصل مع المبدعين والمثقفين العرب في اي مكان من الارض العربية،ودون ان يكون متميزا بالمقارنة مع النتاجات المماثلة له في كل الاقطار العربية، كما ان مثل هذا الابداع يكون مطلوبا من قبل قراء العربية في جميع هذه الاقطار.
ولكي يمارس هذا الابداع دوره في تعزيز وترسيخ الطابع القومي للادب العربي والثقافة العربية فان من الضروري والمطلوب ان يصل الى جميع اقطار الوطن العربي، والى جميع القراء العرب، وذلك من خلال اتحاد الادباء العرب وفروعه في جميع الاقطار العربية، او من خلال تاسيس شبكة توزيع مدعومة من قبل وزارات الثقافة العربية، او مدعومة من منظمة اليونسكو العالمية، او من فرعها العربي.
ثم ان دور النشر تطمح الى الوصول بمطبوعاتها الى كل الااقطار العربية، ويتعزز مثل هذا الطموح عندما تكون هذه المطبوعات متميزة ابداعيا، وتكون مدعومة من المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية.
واذا كانت بعض الحكومات العربية تمنع هذا الكتاب او ذاك من دخول بلداننا لاسباب سياسية، فان التعامل مع الكتاب على اساس ابداعيته وتميزه يلغي معظم او جميع هذه الاسباب، ويمكن ان يكون الابداع سببا في الغاء هذه الاسباب في التعامل مع جميع الاصدارات سواء كانت متميزة في خصائصها الابداعية ام كانت من المطبوعات الاعتيادية، وفي ظروفنا الراهنة اصبح صوت الابداع وصوت العلم والتطور يغلب على صوت السياسة واذ نلتفت الى الابداع، ونعزز اهميته ودوره، واذا نتضامن ونتعاون على نشره واشاعته فاننا نكون بذلك معبرين عن روح ومعايير هذا العصر، ونعزز من الحضور الابداعي في تاريخ ومسيرة الثقافة العربية.
ومن ناحية اخرى فان السياسة قد تكون مرتبطة بظروف وتوجهات مؤقتة، فيما يمتلك الابداع القدرة على الاستمرارية اذا كان شاملا لكل الارض العربية، وذلك ما تؤكده التجارب ، اذ عندما يخفت الابداع في قطر معين، فانه يمكن ان يكون متوهجا وفاعلا في اقطار اخرى، ويمكن ان يستمد من تاريخ الادب العربي والثقافة العربية قدرة لتوليد اتجاهات ونتاجات ابداعية جديدة ويتواصل مع هذه القدرة من خلال الرجوع الى تجارب عربية في اقطار معينة.
وعلينا ان نضع اصواتنا ومواقفنا مع المبدعين وان ندين ونستنكر كل ما يحول دون الابداع، ويمنع اشعاعه ويعرقل ظهوره، وان نقف جميعا مع المبدع في اي مكان من الوطن العربي، لكي يكون الابداع منفذا لتداول جميع الاصدارات العربية في كل الاقطار العربية، ويكون الابداع اقوى صوتا من السياسة وتكون السياسة قاصرة عن منع اي كتاب، او المساس باي كاتب مهما كانت مكانته وموقعه في خارطة الثقافة العربية.
رزاق إبراهيم حسن