تلاميذ الطين – جاسم مراد
أزمة الثقة في أي عمل تشكل عاملا للتعطيل والفشل، فكيف إذا كانت على المستوى السياسي وداخل بنيان السلطة ، فهي بالتأكيد تشل الحركة ، وتعطل عملية البناء، تخلق انشقاقات ولو لم تكن معلنة ، بين الاطراف المشتركة في المكان الواحد ، مما يؤثر على الاداء، ويضعف الهمم ، ويقلل النشاط ، ويبرز عوامل التربص والايقاع بكل طرف ، أو بين مجموعة الاطراف، ويشيع الفساد ، ويكثر من الاتهامات .
هذه من ابرز معالم أزمة الثقة ، لذلك ظلت حالة التردي في مؤسسات الدولة، تسبق أي خطوة انتاجية ، أو عملا بنيويا يخدم مصالح المواطنين ، وقد تراكمت أزمات المواطنين في كافة النواحي ، واصبح الغضب الشعبي بحدود الانفجار . بالتأكيد اطراف السلطة تدرك هذه الحقائق ، لكنها تتعامى عنها ، وقد انسحبت لكل المكانات ، وقد اصبحت المواقع الادنى من مراكز القرار ، تحمل مسؤولية فشلها لمركز السلطة ، وهي التي لديها من الصلاحيات والامكانيات مايجعلها لو ارادت ان تحقق منجزات يحترمها الانسان ، لكن هذا لم يتحقق عبر السنوات الطويلة الماضية .
لو تحسست ضمائر من يعنيهم الامر ، حالة طلاب المدارس الابتدائية في محافظة الديوانية ، وهم يجلسون على الارض بخيم متهالكة وغرف من الطين تسمى عبثا صفوفاً مدرسية لكان من الممكن ان يجدوا الحلول ، ولو تساءل هؤلاء المسوؤلون في مجلس المحافظة بان اولادهم مع مجموعة هؤلاء التلاميذ المساكين ، فكيف ستكون الاجابة .
لايمكن بأي حال من الاحوال ، القبول من دولة مواردها الشهرية من النفط وحده نحو عشر مليارات من الدولارات إن لم تكن اكثر وفي هذا الزمن ذاته وطلاب بغداد وبعض المحافظات الصغار يتحملون وحدهم اسقاطات السلطات وعبث الحاكمين وعدم الثقة ببعظهم البعض ، كيف سيكون حكم الزمن والتاريخ عليهم .
اجزم بان هؤلاء الصغار من التلاميذ الذين يفترشون الارض ويتعلمون في غرف الطين والخيم الممزقة البالية ، ووحدهم يتصدون لحرارة الشمس وقساوة مناخ الشتاء ، لم يـــزرهم احـــــــد من مسؤلي المحافظة ولا مجلسها العتيد ولا احد من وزارة التربية ، ولا عضو من مجلس النواب .
لقد تحدث ذلك الشيخ الذي فقد ابنه ورفض اللجوء للعشائر ورجال الدين ، وإنما للقضاء وحده لكي يأخذ حق ابنه عبر القانون ، واراد بشجاعة نادرة أن يؤســـــــس للانسان حقه عبر القانون ، لأنه متيقن بأن مصيبة العراق بضعف سلطته ، مما دفع بالهوامش أن تكون اقوى من القانون ، وفي هذه التضحية طالب السلطات أن تحتل مكانها الطبيعي ، لأن بضعفها يفقد الانــــــــسان حقه الطبيعي ، مثلما فقد هـــــــؤلاء الفتية حقــــــوقهم في المكان الدراسي الامن ،فتلاميذ الطين بالديوانية غضبهم يصل للسماء ، وهو غضب مستجاب ، يهدم عروش الصبات ، ويحطم السيارات المضادة للرصاص ، لو استخدمت نصف اثمانها لما انتعــــــــشت مدارس الطين والخيم الممزقة . عاش تلاميذ الطين ، عاش العراق ، عاش العراق ، ولتسقط الصبات:. إن عدم الثقة في اعطاء رئيس الوزراء الذي تم اختيارة برغبة الجميع ، هو الذي منعه من اختيار تشكيلته الوزارية ، ومثل هذا السلوك ينسحب تلقائيا على المحافظات، ويظل الانسان المواطن ينتقل من دورة وزارية الى اخرى دون ان يتحقق له ابسط الحقوق ، ولكن لو ادرك هؤلاء جميعا ، بأن الاهمال وعدم الاهتمام بحقوق الناس يخلق تراكمات مضافة من الغــــــــضب الشعبي القابل للانفجار في لحظة من الزمن لايقدر حدود تأثيرها هؤلاء .