تطور الوعي السياسي للشارع العراقي – علي علاء الدين

تطور الوعي السياسي للشارع العراقي – علي علاء الدين

شهدت مرحلة مابعد سقوط النظام الصدامي عام 2003 بداية جديدة لنظام حكم عراقي جديد ، وصعود قوى سياسية تحمل أبرزها منهج وراسخ عقائدي، هي ذاتها القوى التي كانت تشكل نواة المعارضة للنظام السابق، مما مكنها ذلك من بسط نفوذها على سدة القرار السياسي والمساهمة بشكل فاعل ورئيسي في الحكم .

الورقة الرابحة

عانى المكون الشيعي الذي يُعد الأكبر بين المكونات الأخرى في ظل نظام حزب البعث منذ عام 1980 حتى سقوطهِ من التنكيل والتضييق على حرياتهِ العقائدية وحرمانهِ القسري من شعائرهِ المذهبية ، والذي أدى الى انعكاس سلبي وسخط من السلطة ، حيثُ مهدت للأحزاب والكتل ذات الطبيعة العقائدية الأفضلية والرجاحة في الصعود وخطف الأضواء ، أضف على ذلك ما شهدهُ العراق من عام (2004-2010) من حروب طائفية بلغت أوزارها حدَّ التفكك للبنية المجتمعية وإيقاد الضغائن المندثرة وإعادة العراق لزمنٍ غابر من تاريخ الصراع (الصفوي العثماني)، مهدتْ تلك المعطيات في تشكيل الأرضية الخصبة  في استخدام هذه الورقة (المذهبية) التي تناغم عواطف المكون الشعبي الأكبر باعتبارها مسوغاً للتربع والهيمنة على مقاليد الحكم ، حتى باتت الكتل الممثلة عن المكونات الأخرى والكتل التي تحمل أيديولوجيات مختلفة محدودة الفاعلية في صنع القرار السياسي ،

داعش وبداية التحول

كان للسلوك الطائفي في إدارة الدولة عوائد سلبية على عمل المؤسسات وخصوصاً المؤسسات الخدمية والأمنية وما رافقها من فساد مالي لا نظير لهُ في تاريخ العراق ، جاعلاً الحكومة تقف مكتوفة اليدين أمام أول تهديد خارجي حقيقي متمثلاً  ب(داعش) ولا تمتلك أي أدوات للتعامل مع الأزمة ، فلولا موقف المرجعية في النجف الأشرف للتصدي والخروج بفتوى الجهاد الكفائي التي رافقتها استجابة شعبية عارمة لكان الموقف يحتمل مخرجات أكثر سوداويةً وخراباً بسبب العجز الحكومي ، كان لتلك الأحداث وقع سافر في تشكل بواكير التجهم والتحول في نظرة الشارع لتلك الكتل والأحزاب الحاكمة وبداية مرحلة جديدة متوجة بالتظاهرات الشعبية بدايتها عام 2016 ثم عام 2018 منتهيةً بتظاهرات تشرين المدوية .

تشرين ومخرجاتها السياسية

من المغالطات التي يقع فيها الكثر من المهتمين بالشأن السياسي باحتساب احتجاجات تشرين على طرف أو جهة أو أيديولوجية دون أخرى ، لكن في حقيقة الأمر هي تمثل هياج وطني وغضب شعبي تنضوي تحت لوائه الكثير من أطراف وأطياف المجتمع العراقي ، والتي استمرت منذ أكتوبر عام 2019 حتى يوليو عام 2021 وهي مدة كافية في إيقاد صوت الشعب والتحول في الوعي الجمعي إلى إعادة ترتيب الأولويات مطالبةً بإسقاط النظام واستعادة الهوية الوطنية المفقودة ، صحيح إنها لم تحقق ماتتطلع اليه ولم تكبح جموح الفاسدين لكنها ساهمت بشكل كبير في تشكل حالة من الذعر لدى المسؤولين اتجاه الغضب الشعبي من خلال اقالة رئيس الوزراء وتشريع قانون انتخابات أفضل من سابقهِ ، وما أخرجتهُ تشرين من حِراكات وكتل سياسية وليدة رحمها .

الانتخابات المبكرة

برغم تميز إنتخابات عام 2021  المبكرة عن سابقاتها وصعود ملفت ل(حِراكات) وطنية جديدة وللمرشحين المستقلين في المجلس النيابي إلا إنها لازالت ادنى من مستوى الطموح وذلك يعود إلى العديد من الأسباب :- قربها من الشعوبية أكثر من النخبوية السياسية في مساراتها العملية – لا تزال في مرحلة فتية من الخبرة النيابية والعمل الحكومي

– مساحتها المحدودة بسبب المضايقات من قبل السياسيين ذوي النفوذ والكتل الكبيرة .وبعد كل ذلك ما نخلص إليه حول المستقبل ليس إلا تكهنات سياسية وحقيقة الأمر ان الخيارات مفتوحة للإجابة عن التساؤلات والتي أهمها ، هل نرقى في تأهيل ساسة سواءً مستقلون أو ضمن أيديولوجيات معينة يمتلكون من النضج والقدرة ما يمكنهم من انتشال البلد من الوضع الحاضر الى مستقبل تنموي وبناء ؟ ، وهل ستنفتح الأفق في التحرر السياسي وتخرج العلمانية من اختبائها خلف المدنية مخافةَ إعلان هويتها بشكل واضح ؟، هل نبلغ من الوعي الوطني والسياسي ما يؤهلنا الى التغيير من الداخل دون الاتكال على تغيير الخارج ؟ ، لعلهُ تشير المعطيات الى أن العراق في مرحلة الانتقال الطبيعي من الديكتاتورية الى الديمقراطية وان هكذا نمط من التحولات تخضع للعامل الزمني فقط لا غير .

مشاركة