تصدر نشرات الأخبار – علي الشكري
في ثمانينيات القرن المنصرم كان لنا جار في مدينة النجف الأشرف ، تتصدر أخباره وأسرته حديث الدربونة آنذاك ، الأب يضرب أبنائه ، زوجته تخرج الى بيت أهلها ، البنات يلتحقن بالأم ، عادت الزوجة الى بيتها ، لا لم تعد ، تدخّل الأهل والجار في الصلح بين الزوج والزوجة ، لا لم يتدخل أحد ، لا تدخل الاثنان ولا تزال محاولات الصلح جارية ، الزوج أبدى مرونة ، الزوجة موقفها متصلب لا تقبل الصلح ، تدخّل الجار الآخر .
بيت الزوج
طلبت الزوجة فرصة للتفكير ، صرح الزوج أن صبره سينفذ قريباً ، لجأ الزوج الى المحكمة ، لا لم يلجأ بعد لكنه هدد بذلك ، وبعد توسطات وجاهات ومراسيل ، عادت الزوجة الى بيت زوجها . لم تمضِ سوى أيام قلائل عادت الزوجة الى بيت أهلها في زعل ، بعد خصومة جديدة مع زوجها ، وعادت المفاوضات والتوسطات من جديد ، والحصيلة اخبار يتداولها الجوار ، وحكايات مروية لا أساس لها غالباً ، والسيرة على لسان الجميع ، وأنباء المختلفين حديث من لا حديث له ، أو حديث الأمسيات إن لم يكن هناك مستجد في المنطقة، والنتيجة أسرة مفككة مجزئة ، إخفاق الأب في العمل ، فشل الأولاد في الدراسة ، مظاهر الإهمال بادية على المنزل ، الصغار في الشارع تجنباً لرؤية الاشتباك ، المراهقين يرتادون المقاهي حد الإقامة ، تحاشياً لشظايا الاشتباك ، الذي قد ينالهم بفعل التدخل لفض الاشتباك . قررت الأسرة الجلاء في محاولة للهروب من تراجع السيرة ، وتجنب حديث المجالس ، ورغبة في إنقاذ ما تبقى إن تبقى شيء ، وفي ليلة ظلماء جلت الأسرة ، وطلع الفجر ثم الصباح وقد اصبح البيت خالياً من مقتنيات النازح تحت جنح الظلام ، تأسف الجميع على نزوح الأسرة ، وجلاء الجار ، وترك الدار ، لكن الأسف لم ينصب على الراحل واقعاً ، لكن على تداول أخباره وتناقل سيرته ، فقد كانت مشاكله مصدراً لسد الفراغ ، ومدار حديث المجالس ، حتى صرّح البعض بأسفه على غياب المصدر الأهم للخبر . ويبدو أن حال العراق كما حال الجار الراحل خياراً ، المرحّل قسراً ، فقد راحت أخباره مدار ومحور نشرات الأخبار العالمية والإقليمية ، بدأت الحرب ، لا لم تبدأ الحرب ، الأمر لا يعدو قصف متبادل ، لا بدأت الحرب فعلاً ، انتهت الحرب ، لا لم تنته الحرب ، لكن الأمر محض هدنة ، احتل العراق الجارة الكويت ، لا الأصل أستعاد الفرع ، لا الكويت دولة مستقلة ، هو احتلال ، سينسحب العراق من الكويت ، لا لن ينسحب ، لا سينسحب صاغراً ، دخلت فرق التفتيش الى المواقع المستهدفة ، لا لم يُسمح لها بالدخول ، لا دخلت ، لا ضُللت ، تقرير اللجان المختصة بالتفتيش سلبي ، لا إيجابي ، لا هو ليس إيجابي ولكن فيه تطور ، هددت الولايات المتحدة والملتحقين بها باحتلال العراق ، ستحتل قوات التحالف العراق ، لا لن تحتله ، لا ستقدم على هذه الخطوة ، لن تقدم عليها ، ستنسحب القوات الامريكية من العراق ، لا لن تنسحب ، هي انسحبت فعلاً ، لا هي لجأت للتورية بغطاء المستشارين والمدربين ، لا هي انسحبت ومن تبقى بموافقة الحكومة العراقية ، أعلنت نتائج الانتخابات ، لا لم تعلن ولكن هي مجرد تسريبات ، لا أعلنت بشكل كامل ، لا النتائج جزئية ، لا أعلنت بصورة نهائية ، لا الإعلان أولي ، الانتخابات نزيهة ، لا مزورة ، لا هي نزيهة شابتها خروقات بسيطة لا يعتد بها ، لا الخروقات فيها كبيرة ، تشكلت الكتلة الأكبر ، لا لم تتشكل بعد ، هي لم تتشكل ولكن بانت ملامحها ، لا الضبابية تلفها ، والتأويلات تتسيد المشهد ، أختيرت هيأة رئاسة مجلس النواب ، نعم انجز الاستحقاق ، فُتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية ، نعم فُتح ودققت ملفات المترشحين ، لا لم تدقق ، لا دققت ولكن تشوبها الشبهات ، أصدر القضاء المختص قرار بإقصاء بعض المترشحين ، لا هو مجرد امر ولائي ، وسيعود الموقوف ، لا لن يعود ، لا سيعود والأيام بيننا سجال ، فُتح باب الترشيح مجدداً للراغبين بخوض المعركة الانتخابية ، لا لم يُفتح ، لا فُتح من جديد ولكن خلافاً للقانون والدستور ، لا ليس بالمخالفة لهما ، سقط حق المترشحين السابقين في الترشح مجدداً ، لا لم يسقط حقهم في ذلك ، لا نقيس على إخفاق رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة ، لا القياس غير صحيح ، لا صحيح كلاهما فرع تنفيذي ، ، المحكمة الاتحادية العليا الفيصل بين المختلفين ، لا حاجة للذهاب للمحكمة الاتحادية العليا ، الأمر بائن بينونة كبرى ، لا هو بائن بينونة صغرى ، لا الأمر مختلف فيه وعليه ، تنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء مدة الثلاثين يوماً المحددة للترشيح ، وإن لم ينجز الاستحقاق ، يُعلن خلو المنصب ، وسيحل محله رئيس مجلس النواب ، لا ليس هناك خلو للمنصب ، لا المنصب خال ، هو ليس خال ، نلجأ للمحكمة الاتحادية العليا ، لا أرهقنا المحكمة لا حاجة لذلك ، لا قولها الفصل وليس على قولها معقّب ، وسيعقب هذا السجال سجال أكبر ، من سيرشح رئيس مجلس الوزراء ، الترشيح للكتلة النيابية الأكثر عدداً ، لا الترشيح توافقي ، لم يحدث التوافق ، سيحدث التوافق ، لا لن يحدث التوافق ، تدخل الصديق ، لا إشاعة لم يتدخل الصديق بعد ، لا تدخل وتوسط ونقل وجهات النظر ، توفق الصديق بمهمته ، لا لا يزال يحاول ، لا توق ولكـــــن لــــم يتســرب الخبر .
تلاحق احداث
ويبدو أن ما يعيشه العراق اليوم من تلاحق الأحداث ، وتداخل المواقف ، وتتابع الملمات ، وتعمق الأزمات ، واستمرار الاضطرابات ، هو ليس نتاج المؤمرات ، وتخطيط الأروقة ، وتعارض المصالح ، والخشية من القادم حسب ، لكن هو نتاج دعوات القائمين على الفضائيات أيضاً ، وتضرع وسائل الإعلام على أن لا يعود الوئام ، ولا يلتئم الشمل ، ولا يتوحد الصف ، ففي ذلك كسادها ، وضياع المساحة الأكبر لمصدر الخبر وفضاء التغطية ، ولكن على الجميع أن يطمأن ساسة واعلام ، جار وشقيق ، منتفع ومتضرر ، قريب وبعيد ، عالم وإقليم ، أن الاضطراب السياسي في العراق قدر محتوم ، وحاضر ومستقبل مرسوم ، للاعتقاد أن في انتعاش العراق كساد الآخر ، وفي زهوه غياب حديث العهد ، وفي أمنه إضطراب من أخفى خلافه بنقل المعركة الى من قضى جل تاريخه يحمل وزر الآخرين ، وبالقطع أن من راح يحوك المؤمرات ، ويضع المخططات ، ويضع الموازنات ، ويجند العملاء ، على حق ، فالعراق يمرض وغيره يموت ، قد يجف نهره لكن منبعه حي ، وقد تجدب أرضه لكنها لا تلبث أن تنتعش ، وقد يحاصر علمائه لكن نتاجهم باقٍ ممتد ، الشرف في نسائه والغيرة عند رجاله والثروة في ارضه والعلم عند كفاءته ، شعبه متصالح ، وقومياته متعايشـــة ، وديـــــاناته مؤتلفـــــة ، فحق على غيره الخوف ، وله العود الميمون .