تشكيليون مغاربة يعودون الى الجذور
لوحات تبحث عن التغيير في طرائق الرسم
فيصل عبد الحسن
أحتضن مسرح محمد الخامس في الرباط الاسبوع الماضي معرضاً ضم لوحات لعدد من الفنانين التشكليين المغاربة، الذين أرادوا من خلال معرضهم الجماعي ترسيخ تقليد مهم من تقاليد فناني التشكيل المغربي، وذلك من خلال تكريمهم للفنان التشكيلي حميد بحار الذي وفاه الأجل قبل عام، وقال عنه الفنان حميد صاولة وهو احد الفنانين المشاركين في المعرض الجماعي لقد أقمنا المعرض الجماعي التكريمي لأستذكار أستاذنا حميد بحار الذي توفي منذ سنة، لقد كان الأستاذ حميد بحار أحد أستاذتنا المهمين، وقد درسنا تاريخ الفن، وكان يرحمه الله فنانا تشكيليا، وكاتبا معروفا بخفة دمه، وكان أجتماعيا أيضا لا يفوته أمر من أمور الفنانين أو زملائه أو جيرانه من دون أن يشارك فيه بإيجابية، لقد كان بحق يرحمه الله تعالى يملك خصالا اجتماعية فريدة من نوعها.
فنانو المعرض
ضم المعرض لوحات عشرين فناناً، هم عبد الرزاق أحمامو، عبد الفتاح قرمان، حميد صاولة،عائشة مذكور، بدر الدين أجباري، عبد الله حيتوت، شفيق برحو، فيصل حميشان، فاطمة الزهراء غاني، كريم زمامته، خالد ديهاجي، محمد الحافظي، محمد العبستاني، منصف صدقي العلوي، مصعب صدقي العلوي، مصعب الزكاري، نور الدين الهيبة، نورة بنسعيد، سعيد يغفوري، طلال بن خطيب وأتسمت اللوحات بالتنوع، وقد نهلت جميعا من الحياة المغربية، ورسم فنانو المعرض وحسب أجتهاداتهم، وجهات نظرهم وما يعتقدونه، ضروريا لتأكيد شخصياتهم الفنية، وتأكيد أساليبهم المتميزة، وقد شارك كل فنان من هؤلاء الفنانين بلوحتين من لوحاته الجديدة، وبالرغم من أن لوحتين لكل فنان غير كافيتين، لأبراز هوية الفنان ودربة فرشاته، إلا أن الملفت للنظر أن عددا من هؤلاء الفنانين أستطاعوا أن يلفتوا نظر المهتمين بالفن التشكيلي المغربي، والمتتبعين لأحواله، فقد أستطاعوا أن يضعوا في لوحاتهم التوجه الحالي للمجتمعات العربية، نحو البحث عن التغيير في كل شيء، وحتى في طرائق الرسم التشكيلي من حيث التقنيات والموضوعات المرسومة، فقد كان هناك تجانس حقيقي بين الشارع وما رسمه فنانو المعرض، فالهاجس الديني تراه في أغلب لوحات المعرض، فرؤية المآذن والقباب والأقواس والآيات القرآنية، والمزارات الدينية، وأضرحة الأولياء في المناطق الصحراوية النائية، من المشاهد المتكررة في معظم اللوحات، وحتى الآلات الموسيقية التي رسمت في بعض اللوحات فإنها تعيدك، إلى تلك الآلات الموسيقية التي تصاحب عادة العازفين، وهم يرددون الموشحات الدينية، وما يسمى في المغرب بفن الملحون، الذي تقال فيه قصائد بأداء غنائي، ومعظمها قصائد في التسبيح لله تعالى وحمده على نعمه، والتوسل إليه أن يغدق بركاته على عبيده، والثناء على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وآل بيته الأطهار، وتلك الألات الموسيقية أتسمت أشكالها بالغموض، وخيمت على الرسم الظلال المعتمة، وقد أختلط جسم الآلة بعتمة المكان.
فنانات متميزات
وقد شاركت في المعرض فنانات تشكيليات هن فاطمة الزهراء غاني، نورة بنسعيد، عائشة مذكور، وقد حاولت هاته الفنانات أن يتميزن عن الذكور بموضوعاتهن المبتكرة، كعائشة مدكور التي رسمت البحر والزوارق، معطية أهتماما برسم الزوارق، التي تبدو في إحدى لوحتيها أكبر بكثير من البحر، مستعينة بزوايا النظر، التي ترى الأجسام القريبة أكبر حجما من تلك البعيدة، مما أعطى الأنطباع للرائي، أن الفنانة تحب اليابسة أكثر، وأن البحر ليس إلا حلما بعيد المنال، وكذلك فعلت فاطمة الزهراء غاني في إحدى لوحاتها التجريدية، ونورة بنسعيدالتي أهتمت بأبراز التواءات الجسد الأنثوي، ورسم الحركات الراقصة لدى راقصات الباليه، وقد تميز الفنان حميد صاولة بين الفنانين، في بعث الخط العربي، وجعله نابضا بالحياة في اللوحة من خلال تحميله آيات كريمة من القرآن الكريم، مما أعطى اللوحة هيلولى مقدسة، تشعرها لدى الفنان وهو يرسم لوحته ولدى الرائي حين ينظر إلى تلك اللوحة القرآنية، مستفيدا من الجو النفسي الذي تخلقه الآيات الكريمة في ذات المتلقي المؤمن، من صفاء ذهني وروحي ومن شعور عميق بالراحة، والتعاطف مع موضوعات الفنان، التي تأتي في حيز ضيق من أحدى زوايا اللوحة، لتقول كثيرا عن مشاعر الناس وأملهم، بحياة أكثر سعادة على الأرض وفي السماء، لما في نفوسهم من إيمان عميق بالخالق وعدله وحكمته ورحمته الواسعة بعباده.
الرمزية
وهناك لوحة لعبد الرزاق حمامو مثلت أشياء مما يستخدمه الناس في ما ضيهم و حاضرهم، مع حروف للغة غريبة ربما تكون حروفا قديمة من الأمازيغية اللغة القديمة لسكان المغرب تنقلك فورا إلى الأطلاع على تجربة شابة تحاول المزج بين المدرسة الأنطباعية في الرسم مع الرسم التجريدي، وكذلك في ذات الأتجاه التجريبي ينقلك الفنان عبد الفتاح قرمان إلى الأنطباعية والرمزية في الرسم في آن واحد من خلال لوحة له عرض فيها كومة من الملابس المغربية التراثية، مع بندقية طويلة المأسورة وسرج الفرس، وهي عدة المحارب المغربي بداية القرن الثامن عشر وقد وضعت فوق صندوق خشبي تراثي، وعلق مفتاح الصندوق على الجدار بواسطة مسمار غرز في الجدار، وكذلك فعل الفنانون خالد ديهاجي وبدر الدين أجباري وشفيق برحو وذلك من خلال رسمهم للوحات تجريدية نقلت اللوحة التشكيلية من رواية القصة والحكاية إلى رواية لونية وذوقية أعادت للفن المغربي الأصيل طريقته القديمة في الرسم، ونقلت أذواق فنانيه القدماء، الذين كانوا يرسمون على الزربية المغربية والخيمة وحقيبة الجلد وعلى سرج الحصان خطوطهم وأشكالهم الهندسية، وألوانهم الجمالية الزاهية، في لوحات كانت بلا موضوعات أو قصص تحكيها للجمهور، لكنها أعادت الرائي إلى الفن المغربي الأصيل، الذي تنحصر غاياته بتجميل الأشياء بألوان مستمدة من الطبيعة ومن دون قصص تحكيها اللوحات أو مرئيات من الحياة الواقعية، لقد كان المعرض محاولة جادة وعميقة لتأكيد مزايا الرسم من دون التأثر بالمدارس الأوربية في الرسم، لقد كان دعوة رصينة لتأكيد الرسم المغربي الأصيل.
AZP09