تشكيلية غطت أسلوباً يمزج بين الواقع والخيال: روح المكان حاضرة في أغلب لوحاتي
حوار: عادل الميالي
شفاء هادي تشكيلية عراقية مجتهدة , تمتلك موهبة فطرية وخبرة موروثة صقلتها أكاديميا , حيث أثبتت حضورها الفاعل عبر اسلوبها المتفرد من خلال بساطة الطرح وإنسيابية اللون وإنتقاء الموضوع من رحم الواقع المعاش أو من الفلكور الموروث الملتصق بالحاضر .
وبالرغم من تأثرها ومحاكاتها لأعمال الرسامين العراقيين الرواد , إلا أنها أختطت لنفسها أسلوبا خاصا , إذ ان تجربتها ذات بعد ومضمون اجتماعي يقوم على المزج بين الواقع والخيال , والماضي والحاضر , والموروث البغدادي والسومري , بشكل مثير ومدهش ومتجدد ومعاصر , خالقة هوية خاصة لها وبعيدا عن استنساخ أعمال الاّخرين .
تجربة شفاء تقوم على المزاوجة بين الواقعية كمرجعية وذاكرة وبين التعبيرية , منطلقة من الحياة اليومية , موظفة الأساطير الشعبية , وحكايات ألف ليلة وليلة كمخزون حضاري يشكل مرجعية لها .
شكلت المرأة الموضوع الأثير والشاغل لشفاء , إذ يبدو انحيازها الواضح كونها تمثل بالنسبة لها الحياة والجمال والدفء والعطاء , حيث سعت إلى إبراز جماليات الأنثى المغيبة قسرا , والكشف عن عوالم وأسرار وخفايا المرأة , دون الخروج عن سياقات المجتمع العراقي , وهي بذلك تنتصر للمرأة وتنصفها في مجتمع شرقي ذكوري يغلب عليه طابع الهيمنة .
شفاء هادي تسعى عبر أعمالها إلى تحطيم الشكل السائد عبر عنصري الواقع والخيال , من خلال الالتفاف على موضوعات واقعية أو موضوعة شعبية , لكنها تعمل على تحوير الواقع , وتغيير الأبعاد الواقعية , لإزاحتها من واقعها العيان المرئي للجميع , إلى رؤية بصرية متجددة ومعاصرة تكشف من خلالها عن المضمر.
الفنانة شفاء منحازة أيضا إلى المعالم التراثية ومفردات الذاكرة الجنوبية والبغدادية وبشكل استثنائي , حيث تبدو روح المكان حاضرة من خلال إعادة تشكيله عبر رؤيتها الجمالية , لذلك جسدت عبر لوحاتها علاقة شخوصها بالمكان الجنوبي والبغدادي .
اعتمدت في أعمالها تقنيات وأساليب متعددة كالحرق على الخشب والنفخ في أجساد الأشكال البشرية , وهو اسلوب جرىء ومميز تنفرد به الفنانة .
اللون في لوحاتها يمتاز بالغنى والشفافية , حيث تعمد إلى إبراز طاقته التعبيرية وسطوعه , لتحقيق البهجة والإثارة لدى الرائي , حيث تراوحت ألوانها بين الأصفر والبني الفاتح والأزرق , في حين تسيدت الألوان الخافتة على لوحات المكان البغدادي كالأبيض والأصفر الفاتح .
شفاء فنانة يتملكها هاجس المغايرة والفتنة بالجمال , إذ ترصد بذكاء الظواهر البيئية والاجتماعية عبر ريشتها بإحساس مرهف وعفوية فطرية لتأخذنا نحو عوالم سحرية تثير فينا حالة من الانبهار والدهشة .
الفنانة شفاء حاصلة على شهادة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة في مجال الرسم , شاركت بمعارض فنية عديدة داخل العراق وخارجه .
لتسليط الضوء على تجربتها الفنية الثرية ورؤاها الفنية والجمالية , كان لنا هذا الحوار :
مشاركة دورتين
{ متى رأيت الفن يشكل هاجسا بالنسبة لك؟
– منذ طفولتي والفن بشكل عام والرسم تحديدا كان يشكل هاجسا بالنسبة لي , غير ان مشاركاتي في المعارض المدرسية والنشاطات اللاصفية أعطتني زخما قويا بترسيخ هذا الهاجس, وبمرورالزمن ودخولي المجال الأكاديمي التخصصي وتهذيب ما يطفو على السطح كان التعلق الأبدي .
{ كونك من مواليد مدينة الناصرية , فهل كان لذلك تأثير في عشقك للفن ؟
– ولادتي في الناصرية أعطتني بعدا إبداعيا ثرا لكون المدينة تغوص بالمبدعين والفنانين , إضافة إلى سحر المدينة وجمالها فكان العشق مبررا وجسرا أبديا بين أرضها وانجذابي الفني , حيث أعطتني زخما قويا بان أتعمق في المجال الفني اجل للوصول إلى الهدف , فضلا عن العمق التاريخي للمدينة والذي شكل بعدا قويا لوجود اّثار وتراث , كل ذلك له الأثر في ترسيخ هويتي الفنية .
المؤهل الأكاديمي
{ لديك مؤهل أكاديمي في مجال الرسم , فهل وظفت ذلك لصالح تجربتك الفنية ؟
– الدراسة الأكاديمية بنظري تطبيق عملي لتجربتي الفنية التجريبية وتحديد لمدرستي الفنية , إذ كانت العلاقة بين تجربة النشاط الفني المدرسي والأكاديمي في خط موازي تماما بين هذين البعدين , والفرق قليل من خلال مشاركاتي في معارض الرسم كان سببه نقل ما درسته في الأكاديمية وتحديد لمدرستي المستقبلية فكان توظيفا موفقا ورائعا , فضلا عن ان دراستي للمدارس الفنية قد عمقت تجربتي الفنية .
{ تميلين إلى الاتجاه الواقعي والتعبيري , لماذا ؟
– كانت الواقعية التعبيرية مدرستي التي أعتز بها من خلال عملي الفني , كونها لكن أكثر تقبلا ونفاذا للرائي , رغم ما تركه الرواد من بصمة واضحة فيها , غير ان اسلوبي كان مغايرا ومختلفا عبر توظيف النفس الواسطي والسومري , فضلا عن قصص ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وشهريار , لذا أدرك بأنني وفقت .
{ ما خطابك الفني الذي تحاولين إيصاله؟
– خطابي البصري يسعى إلى توظيف الفن لخدمة المجتمع والناس عبر احترام ذائقة المتلقي بمنجز يحمل دلالات متعددة تجمع بين الشكل والمضمون .
{ للمرأة حضور طاغ في لوحاتك , ما قولك ؟
– رسوماتي عن المرأة لم تكن إنحيازا كوني إمرأة , بل لأنها نصف المجتمع بل المجتمع بأكمله , فهي الطاقة والنماء والولادة والنتاج , لذا فهي حاضرة في أغلب رسوماتي حيث جسدت فيها المرأة الحالمة والسعيدة والبائسة من ظروف الحياة , فضلا عن المرأة الحنونة المشبعة بالأمومة , والمرأة الكبيرة وقد خطت على جبينها أنهار الزمان وبؤس السنين , غير ان ذلك لم يمنعني من أن أرسم الرجل , فلوحاتي هي أساسا مكملة للطرفين , لكن تبقى المرأة بالنسبة لي رمزا للجمال والنماء والولادة .
{ تبدو المرأة في لوحاتك ذات أنوثة طاغية , ما تعليقك ؟
– للمرأة في لوحاتي حضور بارز مع طغيان واضح في أنوثتها , ذلك لان أغلب الفنانات والفنانين العراقيين رسموا الأنثى لكن بتفاوت , لكنني أعطيتها جل اهتمامي مبرزة أنوثتها والتي تشكل حالة جمالية تعطي للمشاهد بعدا أنثويا يشع منه الجمال والنداوة والترف والإبداع , خالقة بذلك بعدا راقيا للمرأة عبر توظيف الألوان الزاهية التي تعطي بعدا جماليا أنثويا , مما تخلق لدي توسيع هارموني لوني ترافقها موسيقى ودرجات لونية راقية تخلق المتعة البصرية لعين وعقل المشاهد وتخاطب إحساسه المرهف .
روح المكان
{ لوحاتك مشبعة بروح المكان , فهل المكان يشكل هاجسا بالنسبة لك ؟
– روح المكان حاضرة في لوحاتي , فضلا عن الزمان الذي له بعده الفني أيضا , لكن المكان يعطي بعدا تراثيا لما يتمتع به من جمال , لذا يشكل المكان بالنسبة لي هاجسا رائعا في كل لوحاتي مع توظيف تقني لأبتعد عن الفكرة وبشكل رائع .
{ توظفين أساليب متعددة كالحرق على الخشب والنفخ في أجساد الأشكال البشرية , فهل هي محاولة للتجريب والتجديد ؟
– لجأت إلى توظيف أساليب وتقنيات متعددة بهدف الرفع من قوة وإنشاء العمل الفني , ومنها الحرق على الخشب , وهي تقنية جميلة وممتعة تبرز فيها الخامة بشكل رائع , وكل ذلك يدخل في دائرة التجديد والتجريب بهدف ان تكون لي بصمة اسلوبية يدركها الرائي بمجرد مشاهدة العمل الفني , حيث وظفت الأشكال والمواد النحاسية والخشبية والكولاج , وكل هذا التنوع الأســــلوبي يصب في بودقة وهدف واحد وهو خدمة العـمل الفني .
{ غالبية لوحاتك تستند إلى مفردات فلكلورية باسلوب معاصر , فهل تسعين للمزاوجة بين التراث والمعاصرة ؟
– أميل إلى المزاوجة بين التراث والمعاصرة ولكن باسلوب حداثوي مع تنوع في التقنيات المستخدمة والتي تعطي للعمل الفني بعدا تراثيا منسجما مع اللون والفكرة .
{ في رسوماتك , هل تعتمدين على مخزون الذاكرة ؟
– الذاكرة والتراث إن كان سومري أو بغدادي في أعمالي , ما هو إلا خزين تراكمي للذاكرة والتي أصبحت مشبعة وممتلئة بالافكار والمعلومات , فضلا عن الأفكار الاّنية , وهذه كلها تعطي للوحة التشكيلية بعدها الفني الأجمل .
دلالات اللون
{ هل توظفين اللون لإعطاء معان أو تأثيرات خاصة ؟
اللون بالنسبة لي إحساس مرهف وتاثير نفسي , لكنه مقيد بمضمون اللوحة , إذ لا يبتعد عن الألوان السرمدية والفيروزية والتراثية والتي لابد أن تكون منسجمة مع البيت والأشخاص وأزياهم , لكن مع الإضافات الفنية ومزج الألوان الذي تحتاجه اللوحة وإنشائها وتكاملها بعد وضع اللمسات الإبداعية كالظل والضوء والمنظور والزاوية والكتلة , بهدف خلق معاني مبتكرة وجديدة بعيدة عن الصمت وإنما حركة لونية موسيقية مع الحفاظ المضمون للتأثير على عين المشاهد بعيدا عن التكرار .
{ هل الشعر مصدر مهم يسهم في إغناء تجربتك الفنية ؟
– الشعر والفن التشكيلي تؤمان , فكلاهما يعتمد على الإحساس سواء كان بالنسبة للشاعر أو الرسام , لذا فالقصيدة مع الرسم حالة واحده لما تتضمنه من حركة وتلاشي وإحساس ورمز بانسيابية واحدة , فعندما أقرأ القصيدة كأنما أرسم لوحة , لذلك كانت تجربتي الفنية ذات مسحة شعرية .
{ أين تكمن جمالية العمل الفني ؟
– جمالية اللوحة تكمن بالفكرة وطبيعة اتجاهها الفني وتكنيكها الفني وألوانها المبهرة والتي لا تبتعد عن المضمون .