باريس (أ ف ب) – إذا كان معروفا أن للدواء المضاد للصرع “ديباكين” من مجموعة “سانوفي” الفرنسية مخاطر جسيمة على الطفل في حال تناولته الأم أثناء حملها، أثارت بيانات حديثة مسألة تأثيره السلبي عندما يتناوله الآباء أيضا، إذ تتباين النتائج تبعا للبلد. وافادت الهيئة الناظمة للصناعة الدوائية في بريطانيا بأن “البيانات الجديدة تشير إلى أن ثمة خطرا محتملا ضئيلا على الأطفال الذين كان والدهم يستخدم فالبروات الصوديوم لدى تكوينهم”.
ويشكّل فالبروات الصوديوم الجزيء الذي يقوم عليه ديباكين. ومن المعروف أساسا أن لهذا الدواء المضاد للصرع الذي تنتجه شركة “سانوفي” مخاطر في حال تناولته امرأة حامل.
فهذا الدواء يتسبب أحيانا بتشوّهات للأطفال الذين يتعرضون له خلال حمل أمهم بهم، بمعدّل حالة واحدة من كل عشر حالات، وقد يؤدي إلى اضطرابات نموّ لديهم، كمرض التوحد أو التأخر الإدراكي، بمعدّل حالة واحدة على الأقل من كل ثلاث حالات.
وباتت هذه المخاطر موثّقة جيدا، في وقت يواجه ديباكين في فرنسا دعاوى قضائية لا تزال جارية ولكن سبق أن أدت إلى صدور عدد من القرارات غير المناسبة لشركة “سانوفي” إذ اعتبر القضاء أنها قصّرت طويلا في إعلام المريضات بالمخاطر.
وفي المقابل، مع أن تأثير الفالبروات على جودة الحيوانات المنوية معروف، لم تكن مطروحة مسألة تأثيره على الأب المستقبلي ونسله، إلى أن صدر تنبيه في هذا الشأن من وكالة الأدوية الأوروبية.
فالوكالة أعلنت عام 2023 عن دراسة أجريت على قاعدة البيانات الصحية لعدد كبير من المرضى في دول إسكندنافية عدة. وخلصت إلى أن ثمة خطرا “معتدلا” لتعرّض أطفال الآباء الذين عولجوا بفالبروات لاضطرابات نمو، لا لتشوهات.
وبدا أن هذا الخطر لا يقارَن بذلك المتأتي من تناول الأم ديباكين أثناء الحمل. ففي حال كان من سيصبح أبا يتناول الديباكين، يزيد خطر إصابة طفله بمقدار النصف، اي ما يعادل نسبة 5 في المئة من الولادات.
وحرصت وكالة الأدوية الأوروبية التي لم تنشر الدراسة إلا بعد أشهر عدة، على أن توضح أن المنهجية التي اعتُمِدت لا تتيح التأكيد التام لوجود الخطر.
إلا أن القلق الذي تُحدثه معطيات من هذا النوع كان كافيا لدفع بعض السلطات إلى اتخاذ تدابير جذرية. ففي المملكة المتحدة، ارتأت هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية وجوب تجنب بدء العلاج بدواء ديباكين لدى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 55 عاما، سواء أكانوا رجالا أو نساء.
وردا على سؤال لوكالة فرانس برس، أكدت “سانوفي” إنها تحترم هذا القرار وتتعاون “بشكل كامل” في تنفيذه.
ولا تذهب وكالات أخرى إلى هذا الحد. ففي فرنسا، اكتفت هيئة الأدوية بالطلب من الأطباء إعلام المرضى بهذا الخطر المحتمل، وأوصت الرجل الذي يستخدم فالبروات بتجنب التبرع بالحيوانات المنوية.
هل ذهب البريطانيون بعيدا في وقت لا يزال ديباكين في بعض الأحيان علاجا حاسما لبعض مرضى الصرع؟ يتبنى بعض أطباء الأعصاب هذا الموقف، مدعوما بدراسة جديدة نُشرت الأربعاء في مجلة “جورنال أوف نورولوجي نوروسورجوري أند سايكاتري”.
وبيّنت هذه الدراسة التي حللت نحو عشر دراسات كانت موجودة مسبقا، أنْ لا صلة واضحة بين ديباكين لدى الأب والاضطراب لدى الطفل. وخلص معدّوها إلى أن “معظم الدراسات لا تظهر وجود خطر أكبر” لدى الآباء. “وبالتالي فإن البيانات المتاحة لا تبرر قلقا كبيرا”.
لكنّ الجدل في هذا الشأن لم يُحسم بعد.
فهذه الدراسة كانت عرضة للانتقاد، إذ أن الأبحاث التي استندت إليها لا تركز بالضرورة على الفالبروات بل غالبا ما تتناول مضادات صرع أخرى. يضاف إلى ذلك أن الدراسة التي استشهدت بها وكالة الأدوية الأوروبية لم تؤخذ في الاعتبار.
وتساهم كل هذه العناصر في تخفيف “إشارة الخطر”، وقالت عالمة الأوبئة كاثرين هيل التي تعاونت مع جمعيات ضحايا ديباكين في تصريح لوكالة فرانس برس إن “هذه الدراسة لا تشكك في نتائج البحث” الذي استندت إليه الوكالة الأوروبية.
وإذا كانت الدراسة التي نُشرت الأربعاء غير متينة، فمردّ ذلك أيضا إلى أنها لم تستند سوى إلى القليل من الأبحاث القوية التي يمكن الركون إليها. وهذا ما يأسف له بعض المتخصصين، إذ أن الموضوع يُظهر مدى افتقار المرضى إلى الرؤية في شأن المخاطر التي يتعرضون لها.
وقالت القابلة البريطانية كيم مورلي المتخصصة في مرضى الصرع لوكالة فرانس برس إن “وصف فالبروات للرجال والنساء على السواء يمثل دائما معضلة شديدة التعقيد”. لكنها لاحظت أن “ثمة نقصا في البيانات والدراسات عن عواقب فالبروات على الأبوة، على عكس ما هي الحال بالنسبة إلى النساء.