تسوية على تسوية

د. فاتح عبدالسلام

هناك‭ ‬أجواء‭ ‬تسريب‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬مبادرات‭ ‬لكسر‭ ‬الجمود‭ ‬والذهاب‭ ‬الى‭ ‬حل‭ ‬توافقي‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬اعلان‭ ‬حكومة‭ ‬عراقية‭ ‬جديدة،‭ ‬لكن‭ ‬ابرز‭ ‬المبادرات‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المشهد‭ ‬بحسب‭ ‬الأصوات‭ ‬وليس‭ ‬المقاعد‭ ‬تواجه‭ ‬رفضاً‭ ‬كردياً‭ ‬استباقياً‭ ‬واضحاً،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انّ‭ ‬هناك‭ ‬عدم‭ ‬حماس‭ ‬تجاهها‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الاطار‭ ‬التنسيقي‭ ‬الشيعي‭ . ‬

ما‭ ‬يشاع‭ ‬عن‭ ‬مبادرات‭ ‬التسوية‭ ‬والتراضي‭ ‬يأخذ‭ ‬البلد‭ ‬الى‭ ‬أزمة‭ ‬جديدة‭ ‬أكبر،‭ ‬لأنّ‭ ‬المطلوب‭ ‬الذي‭ ‬تأتي‭ ‬به‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬ابجديات‭ ‬مشروع‭ ‬سياسي‭ ‬انتقالي‭ ‬جديد،‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬مطاولة‭ ‬زمنية‭ ‬وهو‭ ‬مجرد‭ ‬جسر‭ ‬للعبور،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬يتم‭ ‬حرقه‭ ‬ليبقى‭ ‬التباعد‭ ‬وربما‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬ضفتين‭ ‬لا‭ ‬تلتقيان‭. ‬

هناك‭ ‬مأزق‭ ‬حقيقي‭ ‬يكبر‭ ‬مع‭ ‬مؤشرات‭ ‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬اجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬مبكرة‭ ‬جديدة‭ ‬أخرى،‭ ‬أي‭ ‬الغاء‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬كليا،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المنحدر‭ ‬الذي‭ ‬سينزلق‭ ‬اليه‭ ‬الجميع،‭ ‬الخاسرون‭ ‬والفائزون،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يواجهون‭ ‬ذلك‭ ‬المجهول‭ ‬الذي‭ ‬نحذّر‭ ‬منه‭ ‬منذ‭ ‬سنتين‭ ‬في‭ ‬الأقل‭. ‬

ثمة‭ ‬جهات‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬تريد‭ ‬السير‭ ‬عكس‭ ‬التيار‭ ‬مهما‭ ‬كلف‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬عادت‭ ‬بالوضع‭ ‬السلبي‭ ‬عليها‭ ‬أيضاً،‭ ‬وهذا‭ ‬منطق‭ ‬هدم‭ ‬لا‭ ‬بناء،‭ ‬بدأت‭ ‬ملامحه‭ ‬تظهر‭ ‬وتقوى‭ ‬منذ‭ ‬فترة،‭ ‬و‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬تصم‭ ‬آذانها‭ ‬عن‭ ‬اعترافات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وايران‭ ‬وبقية‭ ‬العالم‭ ‬بنتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬العراقية،‭ ‬و‭ ‬وتتجاهل‭ ‬انّ‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ينتظر‭ ‬الخطوة‭ ‬التالية‭ ‬وهي‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬لتبدأ‭ ‬عملية‭ ‬استكمال‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬خارج‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬والرسمي‭ ‬شبه‭ ‬المشلول،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬مشلولاً‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬استمرت‭ ‬الأزمة‭ ‬شهوراً‭ ‬طويلة‭ . ‬

‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ذلك‭ ‬يعلو‭ ‬الحديث‭ ‬حول‭ ‬مرشحي‭ ‬التسوية‭ ‬لرئاسة‭ ‬حكومة‭ ‬جديدة،‭ ‬وهذا‭ ‬الخيار‭ ‬هو‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬فشل‭ ‬راسخ‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬انتاج‭ ‬المعطى‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭ ‬الاجرائي‭ ‬السلس‭ ‬لإدارة‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬وفق‭ ‬تداول‭ ‬السلطة‭ ‬عبر‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬وليس‭ ‬عبر‭ ‬الاقبية‭ ‬العميقة‭ ‬للأحزاب‭. 

خيار‭ ‬مرشح‭ ‬التسوية‭ ‬هو‭ ‬العودة‭ ‬لمساحة‭ ‬غامضة‭ ‬لما‭ ‬يسبق‭ ‬المربع‭ ‬الأول،‭ ‬أي‭ ‬انه‭ ‬واقعياً‭ ‬يضع‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يتشدق‭ ‬أغلبهم‭ ‬بنجاعها‭ ‬خارج‭ ‬المسار‭. ‬وإذا‭ ‬قرروا‭ ‬أنه‭ ‬لابدّ‭ ‬من‭ ‬ذهابهم‭ ‬الى‭ ‬مرشح‭ ‬تسوية‭ ‬لعجزهم‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الناجز،‭ ‬فإن‭ ‬الانتخابات‭ ‬من‭ ‬اساسها‭ ‬كانت‭ ‬زائدة‭ ‬لأنّ‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬للحكومة‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬التسوية‭ ‬لمنع‭ ‬التداعي،‭ ‬وانّ‭ ‬استمراره‭ ‬يبدو‭ ‬طبيعياً‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المضطرب‭. ‬ولا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬تسوية‭ ‬مجهولة‭ ‬على‭ ‬تسوية‭ ‬معروفة‭. ‬

‭ ‬

رئيس التحرير-الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com

مشاركة