تسونامي

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

‭ ‬تشير‭ ‬المعلومات‭ ‬المتوافرة‭ ‬الى‭ ‬انّ‭ ‬اليابان‭ ‬تضربها‭ ‬ألف‭ ‬وستمائة‭ ‬هزّة‭ ‬أرضية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وفي‭ ‬الأحوال‭ ‬الجيدة‭ ‬يهبط‭ ‬الرقم‭ ‬الى‭ ‬ألف‭ ‬وخمسمائة‭ ‬هزة،‭ ‬وليس‭ ‬أقل‭ ‬أبداً‭. ‬

‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬لا‭ ‬تتسبب‭ ‬الزلازل‭ ‬والهزات‭ ‬في‭ ‬سقوط‭  ‬ضحايا‭ ‬أوعمارات‭ ‬عالية‭ ‬أو‭ ‬مبان‭ ‬سكنية‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬ارتفاعها،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬اليابانيين‭ ‬باتوا‭ ‬يضعون‭ ‬في‭ ‬اعتبارهم‭ ‬ذلك‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬الهزّات‭ ‬وربّما‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬منه،‭ ‬عند‭ ‬تشييد‭ ‬المباني‭ ‬السكنية‭ ‬أو‭ ‬المنشآت‭ ‬العامة،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مرتفعة‭ ‬بسبب‭ ‬محدودية‭ ‬مساحة‭ ‬أرض‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭. ‬وتسونامي‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬السواحل‭ ‬اليابانية‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬خارطة‭ ‬التوقعات‭ ‬في‭ ‬اخذ‭ ‬الاحتياطات‭.‬

وتسونامي‭ ‬والهزّات‭ ‬هما‭ ‬أمران‭ ‬واردان‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬المحلي‭ ‬والإقليمي‭. ‬إذ‭ ‬شهدت‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬المشيّدة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬رملية‭ ‬متحركة‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الهزّات‭ ‬والمنعطفات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بُناتها‭ ‬الأمريكان‭ ‬أو‭ ‬المحليون‭ ‬قد‭ ‬حسبوا‭ ‬لها‭ ‬أيّ‭ ‬حساب،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬غرّتهم‭ ‬سكرة‭ ‬النشوة‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬المعارضة‭ ‬المهلهل‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬مع‭ ‬زلماي‭ ‬خليل‭ ‬زادة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬2002‭.‬

تسونامي‭ ‬السياسة‭ ‬مثل‭ ‬تسونامي‭ ‬المحيطات‭ ‬والبحار،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬ارتداداته‭ ‬شاخصة‭ ‬ولها‭ ‬أثار‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬غير‭ ‬انّ‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬لم‭ ‬يدركوا‭ ‬ذلك‭ ‬بدقة،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬تسونامي‭ ‬سقوط‭ ‬حكم‭ ‬عائلة‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬أيام‭ ‬معدودة‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬واحد،‭ ‬وكيف‭ ‬اصابت‭ ‬الصدمة‭ ‬الفعاليات‭ ‬السياسية‭ ‬العراقية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تسونامي‭ ‬آخر‭ ‬قبله،‭ ‬كبير‭ ‬جدا،‭ ‬لكن‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬كان‭ ‬انتقائياً‭ ‬وجزئياً‭ ‬ومغرضاً،‭ ‬فلم‭ ‬تتم‭ ‬الإفادة‭ ‬من‭ ‬دلالاته،‭ ‬وتمثل‭ ‬بخروج‭ ‬ثلث‭ ‬العراق‭ ‬عن‭ ‬سيطرة‭ ‬السلطة‭ ‬الرسمية‭ ‬وبقاء‭ ‬ذلك‭ ‬الحال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭. ‬وهو‭ ‬تسونامي‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬المعيار‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬والتكويني‭ ‬للعراق‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تنطلق‭ ‬منه‭ ‬ألوية‭ ‬المليشيات‭ ‬للقتال‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بحجة‭ ‬منع‭ ‬وصول‭ ‬الموجة‭ ‬الى‭ ‬العراق،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الموجة‭ ‬الموجهة‭ ‬بعناية‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬فعلا‭ ‬وفعلت‭ ‬ما‭ ‬أرادوه‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬معينة‭. ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬أثار‭ ‬ذلك‭ ‬التسونامي‭ ‬ماثلة‭ ‬للعيان‭ ‬ومحفورة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬جيل‭ ‬كامل‭.‬

‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬فهم‭ ‬سياسي‭ ‬ساذج‭ ‬ومستمر،‭ ‬مفاده‭ ‬انّ‭ ‬البلد‭ ‬سيعبر‭ ‬مرحلة‭ ‬ويتجاوز‭ ‬اثار‭ ‬الهزّات‭ ‬والرجّات‭ ‬لمجرد‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬جديدة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬المراكب‭ ‬التي‭ ‬سيعبر‭ ‬بها‭ ‬والضفاف‭ ‬التي‭ ‬يروم‭ ‬الوصول‭ ‬اليها‭.‬

fatihabdulsalam@hotmail.com

رئيس‭ ‬التحرير‭-‬الطبعة‭ ‬الدولية

مشاركة