تركيا وروسيا.. استدراك قبل الانهيار

209577_116896138392587_5868476_o

توقيع

فاتح عبد السلام

تركيا وروسيا يعيشان الآن ساعة تصحيح الأخطاء، ووقف التراجع الكبير في العلاقات بينهما قبل الوصول الى نقطة الانهيار واللاجعة. فالتنازلات السياسية والاعتبارية والاعتذارات لاتشكل خدشاً للسيادة، في حين ان نزول التبادل التجاري بينهما من أربعة وعشرين مليار دولار الى أقل من خمسة مليارات وربما أكثر ،كان سيقود الى أذى لا يمكن علاجه في أوضاع البلدين الجارين ،لاسيما ان روسيا تعاني من انخفاض أسعار النفط ،وكذلك تواجه تركيا كساداً في سياحتها تلك التجارة الرابحة التي كان الروس من أبرز زبائنها.

وتركيا بخطوتها نحو روسيا تتحرك بنفس السرعة والتطلع فتنهي ازمتها مع اسرائيل  وما يترتب عليها من تداعيات وازعاجات. تركيا الآن هي فعلياً تسير نحو تصفير المشاكل ولو انها لا تزال في منتصف الطريق . لكنه طريق صحيح وهذا ما يميزه .

على الرغم من المعطيات الاقتصادية والتجارية التي أعطاها الرئيسان بوتين وإردوغان أولولية لتصحيح مسار العلاقات ، إلا أن البلدين هما الآن الأكثر تأثراً بملفات الشرق الأوسط  الساخنة، وبات واضحاً أن هناك ادراكاً مشتركاً في أن التنسيق التركي الروسي في ملف الارهاب والحرب في سوريا أكثر جدوى من تنسيق موسكو وانقرة مع واشنطن التي تعيش حالة الضبابية والتأخير المبالغ فيه في الاستجابة لمتطلبات دول الاقليم ، ليس بسبب الانشغال بالانتخابات الامريكية القريبة لكن منذ الانسحاب العسكري من العراق قبل خمس سنوات وفتح المنطقة أمام النفوذ الايراني هو نفسه جلب معه تدخلين مختلفي المبررات، تركيّاً وروسيّاً ، في الملف السوري . حيث تركيا تتحمل أعباءً عظيمة من موجات اللاجئين السوريين الى أراضيها منذ خمس سنوات، فضلاً عن رؤيتها كل يوم قرب حدودها توسعاً في النزوع الكردي في سوريا لتشكيل اقليم خاص يفصلها عن سوريا عملياً ويتيح مجالاً حيوياً لحركة حزب العمال الكردستاني المناويء لتركيا ،الى جانب معركة الجديدة  المتصاعدة مع تنظيم داعش. هذه كلها أسباب تجعل القلق التركي بحاجة الى استحقاقات جديدة في التحالفات الدولية والاقليمية حتى لو تغير مسار اللعبة جوهريا كأن يحدث تقارب تركي مع الرئيس السوري بشار الأسد، كما جرى التلميح في أنقرة قبل أسابيع . 

في حين لا تتحمل ايران أي آثار من أعباء الأزمة السورية إلا بقدر ما صنعته واختارته بنفسها من قرارات في نقل مليشياتها من العراق ولبنان وايران للمقاتلة الى جانب دمشق وهذا أرهقها مالياً وعسكرياً وبشرياً.

أما الروس فيدركون أن وجودهم في سوريا في حال بقاء العداء مع تركيا سيكون قلقاً وغير مريح ومهدداً في بعض الاحيان ،كما حصل مع حادثة اسقاط المقاتلة الروسية قبل شهور . ومن هنا يكون التطبيع الروسي التركي  ضرورة للاقتراب من حل نهائي وعملي للحرب في سوريا والتسويات الاقليمية والتوازنات الدولية في محيط المتوسط ،وهو الأمر الذي من الصعب حدوثه بمجرد الركون الى الخيار الأمريكي .

رئيس التحرير 

لندن

مشاركة