تركيا والأزمة السورية

تركيا والأزمة السورية
سميح إيديس
ترجمة ــ سناء عبد الله
في الوقت الذي تواصل فيه الأزمة السورية تعكير علاقات تركيا مع كل من روسيا وإيران، تحاول هذه الدول الثلاث العمل على احتواء التوتر الذي أصاب العلاقة بينها. وكانت تركيا وروسيا قد تبادلت الاتهامات بعد حادثة إرغام طائرة الركاب السورية المدنية على الهبوط في تركيا بواسطة طائرات تركية مقاتلة الاسبوع الماضي بينما كانت الطائرة في طريق عودتها من موسكو إلى دمشق.
ولم يتضح حتى الآن ما الذي تم العثور عليه في تلك الطائرة، رغم ما تردد بشأن وجود معدات خاصة بالصواريخ. في سياق متصل، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أصر يوم الأربعاء الماضي على موقفه عندما قال بأنه سيزود دمشق بالأسلحة لحين فرض حظر للسلاح على دمشق من جانب مجلس الأمن. غير أن مثل هكذا حظر لن يرى النور طالما استخدمت روسيا حق النقض لضمان عدم صدور هذا الحظر من جانب مجلس الأمن.
من جانب آخر، نقلت وكالات الأنباء عن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قوله إنه رغم هذه التطورات فإن العلاقات التركية ــ الروسية صلبة ولن تهزها هذه الحادثة. كما أن الحالة مع ايران لا تختلف كثيرا، فالبلدان على خلاف بشأن القضية السورية. لكن احتواء التوترات بين البلدين مثّل سمة تاريخية للعلاقات التركية ــ الإيرانية.
على هذه الخلفية، اتجهت الأبصار الاسبوع الماضي إلى الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادية في باكو. والحقيقة، لم يتم التخطيط لأي اجتماع بين الزعيمين مما عزز التكهنات في حينه بأن البلدين، تركيا وإيران، يحاولان تجنب أحدهما الآخر بسبب الخلاف بشأن سوريا. غير أنه اتضح فيما بعد بأن اجتماعا غير مخطط له قد جمع الزعيمين تم خلاله التباحث في شؤون تجاوزت مجرد تبادل عبارات المجاملة.
إلى ذلك، أبلغ أردوغان الصحفيين في وقت لاحق في أنقرة بأن المحادثات تركزت حول سوريا. وأضاف قائلا بأنه كانت هناك حاجة لتركيا، وإيران، ومصر، والمملكة العربية السعودية لمناقشة الوضع في سوريا، غير أن السعودية لم ترغب في الجلوس على طاولة واحدة مع إيران. وبسبب هذا العائق، قال أردوغان بأنه تم اقتراح وضع مجموعة من الآليات ثلاثية الجانب ، يتم بموجب الآلية الأولى جمع تركيا ومصر وإيران لمناقشة قضية سوريا، أما الآلية الثانية فستجمع تركيا وروسيا وإيران، فيما ستجمع الآلية الثالثة كلا من تركيا ومصر والسعودية.
وتمثل هذه الترتيبات تحولا مهما في موقف أنقرة، بطبيعة الحال. فقبل ليس أكثر من بضعة أشهر كانت أنقرة تنظر بفتور إلى أية مفاوضات بشأن سوريا يمكن أن تضم روسيا وإيران بسبب دعمهما غير المشروط للرئيس السوري بشار الأسد.
ولكن في ضوء فشلها في تدويل المشكلة السورية، كما كانت قد أرادت، يبدو أن أنقرة تميل حالياً إلى أقلمة المشكلة، وتسعى إلى إيجاد حل لها يشمل اللاعبين الاقليميين الرئيسيين. وقال أردوغان أيضا بأنه اتفق مع أحمدي نجاد على محاولة تأمين وقفٍ لإطلاق النار في سوريا خلال أيام عطلة عيد الأضحى المقبل الذي سيتم الاحتفال به في العالم الاسلامي برمته. وإذا ما نجحت هذه الجهود، سيعد ذلك أول نتيجة ايجابية للتعاون بين أنقرة وطهران بشأن سوريا.
وسيكون من شأن هذه النتيجة أيضا تشجيع جهود مشتركة إضافية من جانب البلدين لا سيما وأنه سبق وأن تم الاتفاق على عقد اجتماعات متابعة بين البلدين على مستوى وزراء الخارجية. كما أن تدخل روسيا في هذا الصدد يعد هاما أيضا، وذلك في ضوء الموقف الذي أمنته روسيا لنفسها في منطقة الشرق الأوسط بسبب الأزمة السورية. وفي جميع الأحوال، تبقى روسيا قوة اقليميه لها مصالح في منطقة الشرق الأوسط يرجع تاريخها إلى قرون عديدة. ويذكر في هذا الصدد أن الامم المتحدة أو الغرب لم يتمكنا حتى الآن من الخروج بأية صيغة ملموسة لحل القضية السورية، فيما دأبت حكومة أردوغان على التعبير عن خيبة أملها العميقة بسبب هذه الحالة. وفي غضون ذلك، فإن الأوضاع في سوريا ما برحت تتكشف على نحو خطير بالنسبة لتركيا. ومن شأن التعاون، بدلا من المواجهة، بين القوى الاقليمية كسر حالة الجمود التي تكتنف الموقف بشأن سوريا. وفي نهاية المطاف، فإن هذه البلدان الاقليمية، قد تضررت بشكل مباشر بسبب النزاع السوري. كما أن بقاء الخلافات بشأن سوريا من شأنه أن يطيل، بكل بساطة، من أمد الأزمة ويحولها إلى حرب بالنيابة.
ولكن، في حال أحرزت مجموعة الآليات الثلاثية المقترحة نجاحا، فإن ذلك من شأنه أن يضع تركيا مجددا على مسرح الأحداث بوصفها لاعبا حيويا يهدف إلى تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وليس لاعبا ميالا إلى اتخاذ مواقف مبنية على اعتبارت طائفية، وبالتالي تقسيمية.
صحيفة حريت التركية
AZP07