تراتبية التنظيم الإنساني المنشود للمجتمع – نوال الموسوي
لين الخطاب ونقاء المفردة هي احد اهم أدوات المتحدث كما وأن أحد أهم التفاف الناس حوله وأستمرار تأثيره عليهم هو توحيد الكلمة والصف بين الناس وفق منطلقات انسانية بتجرد من النزعة الانفعالية بتقدير كل المستجدات والتحديات التي تطرأ على المجتمع ،،بالاخص من يتصدر للإمامة في وقتنا هذا الذي لا يخلو من اشد الصراعات فتكاً بالمجتمع وبالعقول الشابة التي ماتزال بحاجة للغذاء الروحي والمعرفي ومن ينظر بتمعن سيجد هناك صراعا واضحاً بين الدين و اللادين وبين القيم واللاقيم يبطنه صراع الرمزية التي بنت امجادها على أحقية الجوهرية
فأغلب من يذهب لبيوت الله
يتعطشون لمجتمع فاضل خالي من الإسفاف فعلاً وقولاً
وهم لاجئون لدى الله من ضيق الحياة وانفعالاتها محاولين ايجاد الطمئنينه نابذين بهرجة الدنيا وتدنيها ،،لهذا من يتحدث من منابر بيوت الله عليه اولاً ان يدرك حجم تأثير كلمته وما يترتب عليها بين الناس وعليه ان يختار ادق المفردات للحفاظ على جوهرية الدعوى ورمزية المنبر واعتبارات اخرى ترتهن بشخصية المتصدر للحديث وما يمثله لأصل الفكرة البنيوية التي ترتب عليها الحدث وهنا كان لابد ان نشير الى ضرورة اصل الفكرة لا الى تداعيتها وهي ان نحاول قدر الأمكان الألتزام بصيغة كلام تزيد من اواصر الترابط وتتسلل الى وجدان الأنسان وتفعل ضميره ليميز هو من خلاله الحق والباطل والنور والظلام دون ان ينصب نفسه حاكماً وجلاداً عليهم ،، كثير ما نشهد عروض كلامية تلاحق مسمعنا ترتطم سريعاً بأول اختبار حقيقي نعيشه واقع حال وهنا أود ان أستذكر موقف مررت به في أحد المحافل المهمة للتواصل المباشر وعبر الحديث وجه لوجه حيث طرح المقدم على ضيفه ذو المنصب الرفيع سؤالاً مباشرًا عن رأيه وهو يشاهد صورة رئيس وزراء بلده تداس بالأقدام وهو ما يمثل أهانة لرمزية المنصب وليس لحيز الرئيس الشخصي فحسب ،، فانطلقت احدى الشخصيات التي تتصدر المشهد برمزيتها أيضا كونها تمثل نائب برلماني سابق و تحمل لقب علمي ينظر لها أجتماعياً من خلاله ومن خلاله ايضاً تحاسب على حديثها ومفرداتها التي لم تتأنى في أطلاق صرخات تساؤلها قائلة ((وإذا ضربت صورته بالحذاء منو هو رئيس الوزراء!؟؟)) وهي تدير عينيها بين الحاضرين بحثاً عن من يساندها في مقبولية ما تطرحه من تساؤل فعادت بخيبة بعد ان أجابها من يصغرها عمراً وشهادةً وخبرة عن أن الأمر غير مرتبط بشخصه قدر ارتباطه بمنصبه وما يمثله من رمزية للعراق الثابت والجوهري ،، فقدت هذه السيدة بتصريحها الحماسي تقدير من حولها واحترامهم فأن اصل الفعل مستنكر انسانياً وان زالت عنه صفة المقبولية المرتبطة بالتكليف الوظيفي له كشخص مسؤول ،،فالعقوبة التي ترتقي بالأنسان يجب ان تعتمد منهج القانون الانساني الرادع للخطأ وأن تترك فيه العبرة للأخرين من البلاغة ما تحفز على الانضباط المهني لأحقاً وهو ما يعود على المجتمع ككل ،، وان ماحصل في هذا الحدث تحديداً أنتج مشهد وصورة مشوهه للجمهور لا ترتقي بما سيطلب منه لاحقًا من سلوكاً بنيوياً منضبط وفق القوانين الأنسانية العامة بعد ان تطبع بالتمرد اللأنساني اللامحدود ،، الأنحدار الاجتماعي الذي بات سمة للمجتمع لم يأتي الا من خلال تراتبية الاحداث التي لم تراعي مخرجات الآليات المعتمدة في الرفض او القبول لكل حدث ومن هنا صار التوجيه يعتمد على الإطاحة والتنكيل وإظهار القبيح وليس تحجيمه ليتلاشى تدريجياً وهذا ما بدأ يفشي كل قبيح ،،، قول الله تعالى ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) يعطي دلالة واضحة لمفعول الحكمة التراتبي ومخرجات الموعضة الحسنة التي تجمع ولا تفرق تقرب ولا تنفر تهدي ولا تضل تسامح ولا تُذل ،، ومن هنا نطمح ان نرى منابرنا الدينية ان تنتهج تعاليم الله التي تقدم العفو والمغفرة والتسامح والقبول في دعواها الى الله .