تذكرة وذكرى

تذكرة وذكرى
في عام 1961 وانا في المرحلة الابتدائية كنت اسارع صباح كل يوم لاشتري جريدة واحملها بيدي .. كنت اتعمد جعل عنوانها ظاهراً بعد ان طويتها بشكل مستطيل حتى يسهل عليّ حملها بين يدي.. ولم اكن ادرك ان اسم الصحيفة هي دلالة على ما تمثله من حزب كجريدة صوت الشعب للحزب الشيوعي مثلاً.. او جريدة الجمهورية والثورة التي كانت تمثل الدولة.
وكنت اسير وانا احمل الصحيفة بين يدي بزهو وتعال واحس انني كبير وكبير جداً.. بالنسبة الى عمري.. فلم اكن امارس ما يمارسه اقراني من الاولاد من العاب ومزاح فكنت اشعر انني اكبر من كل ذلك. وكان والدي رحمه الله رجلاً امياً سعيداً وفرحاً وهو يطالعني اقرأ الصحيفة.. وكان يطلب مني ان اقرأ له موضوعاً معيناً فيه صورة للزعيم عبد الكريم قاسم وانذاك كنت شغوفاً بمطالعة الصحف والمجلات لاسيما التاريخية والفنية منها.. وكانت سلسلة كتب الهلال والمختار وطبيبك من الكتب المواظب على مطالعتها وكذلك المجلات اسرتي والشبكة والموعد والنهضة والكواكب وحواء والمصور.. وكنت اقضي اكثر اوقاتي في قراءة القصص والروايات التي كانت تقع تحت يدي وكان الليل هو احلى اوقاتي حيث اقطع جزءاً كبيراً منه في قراءة الروايات حتى يبان الخيط الابيض من الفجر.
وكانت اسرتي تسكن في منطقة (حي السلام) وكان لي صديق اسمه جاسم هو الاخر مثل هوايتي في حبه للمطالعة ويسكن في الشارع ذاته الذي نسكن فيه وقبالة بيتنا بفارق بيتين.. وكان له حظاً جميلاً متناسقاً وكان يرسم الحروف رسماً.. فسألته كيف فعل ذلك وتعلم الخط، فاجابني .. بانه كان يكتب الحرف كما هو ويرسمه رسماً ويكتبه مرات عدة حتى يتعلم كيفية كتابته بشكله الصحيح.. ونصحني ان ابدأ بكتابة عناوين الصحف ورسم الاحرف التي بالكلمات مثلما هي.. حتى يقوى عندي الخط.. وحقاً كان ذلك.. وكان لهذه الفكرة الفضل في تحسين خطي.
واخبرني صديقي جاسم ان اخاه الكبير .. علي صبري العاني.. ينوي بيع مكتبته التي كنا دائماً نستعير منها الكتب بانواعها وقراءتها واعادتها له وكان يرشدنا دائمأً الى نوع الكتب التي نطالعها.. ويطلب منا استشارته عندما يصعب علينا شيئاً ولم نفهمه او لا نعرف معناه.
واشتريت المكتبة من علي صبري العاني بالآجل بعد ان دفعت له دنانير ثلاثة او اربعة كمقدمة والباقي اسددها له من يومياتي البالغة 50 فلساً واجمعها وادفعها له شهرياً.. وكان المبلغ الاجمالي للمكتبة نحو (24) ديناراً وكانت سعادتي وغبطتي لا توصف بحصولي على هذا الكم من الكتب.
وكان جارنا علي صبري خير عون لي على تعريفي بالكتب والكتاب اضافة الى اني كنت الجأ اليه كلما صعب عليّ امر لم افهمه او لا اعرف معناه.. وكان كثيراً ما يناقشنا انا واخاه فيما طالعناه من قصص وروايات..
وكنت اطالع الكثير من الكتب للكتّاب العرب والاجانب امثال المنفلوطي واحسان عبد القدوس ولطفي السيد، وعبد الرحمن الشرقاوي ونجيب محفوظ ويوسف ادريس وبنت الهدى وجرجي زيدان ومكسيم غوركي وهمنغواي واجاثا كريستي وغيرهم كثيرون اضافة الى دواوين شعرية كثيرة.
وكان لهذا الجار الفضل الاول في وضعي على اول السلم في الاطلاع والمعرفة واثارة افكاري.. كما كان للدكتور المرحوم عبد المجيد القصاب الفضل في تنمية قابلياتي حيث كنت اعمل بمعيته.. فكان كثيراً ما شجعني على مواصلة الكتابة ووجهني للصواب.. وتصحيح الخطأ ، وكنت حينها اكتب بعض المقالات للصحف وكان ذلك عام 1967 ونشرت لي جريدة الثورة العربية والجمهورية والعرب والنهضة الكويتية تحقيقات صحفية ومقالات عدة اضافة الى كتابتي لبعض التمثيليات للتلفزيون في تلك المدة.
فلابد لي هنا من ان اسجل خالص احترامي وتقديري للاستاذ علي صبري العاني على مساعدته لي وللدكتور المرحوم عبد المجيد القصاب الدعاء الى الله سبحانه وتعالى باسكانه فسيح جناته. وما اردت بهذا الا تذكرة وذكرى.. لبداياتي.
محمد عباس اللامي – بغداد

AZPPPL

مشاركة