تدني مستوى التعليم العالي (3) – هادي نهر

تدني مستوى التعليم العالي (3) – هادي نهر

تدني مستوى التعليم وضعف مستوى التحصيل العلمي والمعرفي والفنى للطلبة مؤشّر على تدني الكفاءة والفاعلية والإنتاجية لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي نفسها، ولذلك أسبابه وعوامله التي من أبرزها الآتي:

أولاً : – غياب القيادات الجامعية القادرة على التشخيص والمتابعة والمعالجة الحازمة، واتخاذ القرارات السليمة بشأنها دون خوف من أحد، والتفرغ الكلي للعملية العلمية والتربوية داخل الأقسام والكليات والجامعات، ونحيل هنا الى المعوّق الأول في مقالتنا الأولى.

ثانياً : – تزايد عدد الطلبة في الجامعات والكليات وتزاحم قاعات الدروس والمحاضرات والمختبرات بهم من غير أن يقابل ذلك زيادة في أعداد أعضاء الهيئات التدريسية أو الكوادر الإدارية ذات الاختصاص العلمي الدقيق في إدارة المختبرات والمكتبات وغيرها من مرافق الجامعة. ثالثاً : – تقاعد عدد كبير من خيرة أساتذة الجامعات العراقية من خريجي الجامعات العربية والأجنبية المرموقة، ومن حملة الألقاب العلمية العالية والمتحصل عليها بالبحث والتحصيل والإجراءات الدقيقة والصارمة واستبدال هؤلاء من جيل جديد من الخريجين الذي تجد في صفوفهم كثيرا ممن لا يتمتعون بمؤهلات الأستاذ الجامعي الحق وخبراته ولم تتح لهم ة الاحتكاك بالعالم الخارجي، وبعضهم تم تعيينه في غفلة من الوزارة فرصة مستند الى الواسطة والمحسوبية والحزبية. وبعضهم . للبحوث والدراسات مزايا.

رابعاً : – عدم وجود حركة تبادل بين الأساتذة العراقيين في جامعاتهم المختلفة من جهة، وبينهم وبين الأساتذة في الجامعات خارج العراق مما عطّل حركة التبادل العلمي والمعربة والفكري.

اطلاع دائم

خامساً:- غياب الخطط الدراسية التفصيلية المدعمة بقراءات حديثة محدّدة لكلّ حصة، وعدم توافر المراجع الحديثة للدروس المختلفة وبخاصة في الدراسات العليا، واعتماد أكثر الأساتذة على معلوماتهم القديمة من غير أن يكلّف احدهم نفسه عناء البحث والتنقيب والاطلاع الدائم والمستمر على مستجدات العصر، وتجديداته وتغيراته المتسارعة، ومن غير أن يجعل في جدول أعماله المشروع ببحث علمي رصين في اختصاصه، أو محاولة الاشتراك في مؤتمر علمي أو القيام بزيارة علمية الى جامعة أجنبية منذ تخرجه، وهذا أدى إلى تحول عملية التدريس إلى عملية روتينية تكرّر فيها المعلومات سنه بعد أخرى. إن هناك فرقا واضحا بين وضع الخطط الدراسية على ورق من جهة وتطبيقها وتنفيذها عمليا على أرض الواقع كاملة غير منقوصة من جهة أخرى، فكثير من أعضاء الهيئات التدريسية وفي غياب من قيادات الأقسام العلمية لا يمتلكون خططاً دراسية موثقة ومفصلة، وموزعة على الزمن توزيعا علميا مدروسا وكل ما لديهم خطط وضعها من سبقهم ومع هذا لا يلتزم أكثرهم بالنظر إليها وتطبيقها وكل ذلك في غياب للمصادر والمراجع العلمية الحديثة وتدني مستوى الكتب التي يقررها بعض أعضاء الهيئات التدريسية ويفرضونها على الطلبة بوصفها مراجع إجبارية مكرّرة دائما هذا على مستوى الدراسات الدنيا ، أما إذا جئنا الى دراسات الماجستير والدكتوراه وجدنا الأدهى والأمر فكثير من الموضوعات التي تدرس في مرحلة الماجستير تدرس في الدكتوراه وهذا غير مقبول أكاديميا واخلاقيا والحل عندنا يكمن في أن يقوم كل أستاذ بوضع خطط دراسية تفصيلية جديدة تحدد فيها المصادر والمراجع والقراءات المطلوبة لكل مادة دراسية وتطبيقاتها بصورة فعلية وعدم الاكتفاء بوجود خطط عامة منقولة حرفيا عن خطط قديمة مكرّرة وضعها الاستاذ نفسه أو أساتذة اخرون قبله. وأن يكون هناك تدرج علمي مدروس في مستويات المواد ومحتوياتها وأن لا تكون محتويات مواد البكالوريوس والماجستير والدكتوراه نسخاً مكررة بعضها من بعض. والمطلوب أيضا تحديد مراجع وقراءات معينة في الكتب والدوريات المحكمة وإلزام الطلبة بالرجوع اليها ووضع أسئلة الامتحانات منها.

وسائل العرض

سادساً : – عدم توافر وسائل العرض التقنية في المدرجات وقاعات المحاضرات مما حرم الأساتذة من استخدام هذه الوسائل لعرض محاضراتهم بصورة تيسر فهمها واستيعابها من الطلبة، وينسحب هذا الحرمان على الطلبة الذين لم نمنحهم فرصة التعلم على استخدام هذه الوسائل في عرض أبحاثهم ودراساتهم واوراق عملهم.

 سابعاً : – ااك عدم توافر مختبرات حاسوبية كافية مخصّصة للطلبة حصرا وعدم توافر هذا لم يسمح بأجراء امتحانات موضوعية ورصد علاماتها بصورة آلية علمية بدلا من الاكتفاء بوضع الأسئلة المقالية، وتصحيح الأجوبة تصحيحا يدويا بعلامات تقديرية غير دقيقة.

ثامناً : – غياب عقد المؤتمرات العلمية الطلابية التي تناقش فيها علنا وبحضور الطلبة بعض بحوث التخرج المتميزة، وبعض مشاريع الطلبة وابتكاراتهم، ومنح هذه البحوث المتميزة جوائز ومكافآت تشجيعية مجزية. لقد تحوّلت بحوث التخرج وفي غياب الإشراف الحقيقي للأساتذة المكلفين بالإشراف إلى مجرد أوراق منقولة من الانترنيت أو منقولة نقلا مجرداً من بعض الكتب من غير أن تتصف بأدنى مظاهر البحث العلمي المفروض والمطلوب في بحث التخرج الذي يمثل المحصلة النهائية للسنوات الدراسية التي صرفها الطالب في الجامعة، هذه المحصلة التي تؤكد وعي الطالب وتمكنه من اختصاصه. إن طالبا يتخرج من الجامعة من دون أن يدل على وعيه ومعرفته بالبحث العلمي في صورته الشاملة لا يمكن له أن يعالج الحياة مستقبلا، ولا يمكن له أن يقنعنا بانه متخصص في علم معرفي ما . ولهذا يجب على الأقسام العلمية في الجامعات الاهتمام الدائم ببحوث الطلبة وبالنظر إليها نظرة جادة بوصفها خلاصة لتجربة الطالب الجامعية بكل أبعادها العلمية والمعرفية والتربوية وذلك لا يتم إلا بإلزام الأساتذة المشرفين على هذه البحوث بمتابعة الطلبة الباحثين خطوة خطوة بحيث يدرك كلّ طالب أن وراءه، من ينقب ويمحص ويكتشف السرقة العلمية والنقل المجرد عن المصادر والمراجع وأن وراءه مناقشة علمية مقننة تراجع، وتحاسب وتكافئ بكل حزم وثقة أقوال ان ادراك الطالب بهذا كله سيدفع به الى التزام الجدية، والموضوعية والأخلاقية البحثية في عمله حتى يتقدم ببحث تخرج يمثل جهده وتعبه ويؤكد قيمه وشخصيته وسلوكياته.

تاسعاً : – عدم احترام الزمن فالزمن الجامعي شأنه شأن الزمن العراقي عامة مهدور ومقتول بكثرة الإجازات الدينية والوطنية، والمهرجانات والاحتفالات والاعتصامات والتظاهرات التي ما أنزل الله بها من سلطان التي لا ترضى الله ولا الناس العاملين، ولا العملية العلمية و لا أبالغ أذا قلت، إن نصف أيام السنة الدراسية الجامعية بات مصروفا في فعاليات ليس لها علاقة بالعلم أو التحصيل، والمضحك المبكي أن بعض الجامعات والكليات والاقسام والأساتذة يعمل بجانب هذه الفعاليات ويشجع عليها تحت أغطية شتى كلّها لا تمت بصلة الى شرف العلم، وقيمة الزمن إن الانسان زمن، والذي لا يحترم الزمن لا يحترم إنسانية الانسان.

لقد تسببت كثرة الإجازات والعطل والمناسبات في كثير من الإهدار العلمي والتربوي والمالي وانتهت بنا أو تكاد الى عقم علمي، وتخريب تربوي واجتماعي واقتصادي، ولا شك أنّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تتحمل بعض المسؤوليات ومطالبة بإصلاح ما تخرّب مادام الأمر مرهونا بفلسفة الزمن وعلاقته الحاسمة بالتحصيل العلمي، ومخرجــــــاته الفاعـلة في حركة المجتمع.

عاشراً : – عدم تطبيق آليات حقيقية وفاعلة للتوأمة بين الجامعات والكليات داخل الوطن أو بين هذه الجامعات والجامعة الأجنبية والعربية الرصينة وليس بخاف من أنّ التوأمة الحقيقية والمنتجة تتطلب الاشتراك في الخطط الدراسية ووضع الأسئلة الموحدة، والتصحيح المشترك، وتبادل الأساتذة والطلبة في ظل مبدأ التنافس العلمي الشريف .

مشاركة