تداعيات مؤتمر كامبل بنرمان 1905-1907
عبد العزيز عبد الوهاب سلطان
لم تحرك الأحداث التي مازالت تشهدها المنطقة العربية والتي امتدت إلى سوريا والعراق . وكان آخرها ما شهدته ( غزة ) من هجوم وحشي من قبل إسرائيل وكان نتيجته الدمار والشهداء ضمير العالم لا سيما تلك الدول التي ترفع شعار محاربة الإرهاب والدفاع عن حق الشعوب في العيش بحرية وسلام .
أقول ونتيجة لدموية تلك الأحداث والتمهيد لما خطط له للمستقبل يرتفع صوت فلسطين عاليا منبها النيام من العرب وقائلا : ( لا تنسوا أبدا وثيقة كامبل بنرمان ) التي انبثقت من مؤتمر لندن الذي عقدته الدول الاستعمارية عام 1905 في لندن بدعوة من رئيس وزراء بريطانيا وزعيم حزب الأحرار (هنري كامبل بنرمان) .
وقد افتتح ( كامبل ) المؤتمر بكلمة مطولة قال فيها مخاطبا الحضور 🙁 إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حد ما ، ثم تنحل رويدا رويدا ، ثم تزول والتاريخ مليء بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة . فهناك إمبراطوريات ، روما أثينا ، الهند ، الصين ، وقبلها بابل ، وآشور ، وسومر ، والفراعنة وغيرهم .
فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوربي وانهياره ؟ أو تؤخر مصيره ؟ وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوربا قارة استنفذت مواردها وشاخت مصالحها ، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلِم والتنظيم والرفاهية .
هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا . وبالنظر لضخامة الدراسات وأوراق العمل المقدمة إلى المؤتمر والذي حضره البروفسور ( جيمس ) مؤلف كتاب ( زوال الإمبراطورية الرومانية ) والبروفسور ( لوي مادلين ) مؤلف كتاب ( نشوء وزوال إمبراطورية نابليون ) والأساتذة . لستر وسميث و ترنخ وزهروف تشكلت لجنة للمتابعة سميت بـ ( لجنة الإستعمار ) وبعد دراسة للتاريخ استمرت من عام 1905 – 1907 خرج المؤتمر بقرارات منها :إن الخطر الذي يهدد أوربا يأتي من هذه الأرض الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي .. فهذه الأرض يسكنها شعب واحد له لغة واحدة ودين واحد وتقاليد واحدة وتضم ثروات طائلة وهي دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ، ويوجد تصادم حضاري معها ، فالواجب اتجاه هذه الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف والتقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي توجه وحدوي فيها. وبالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي ، ويسعى لبث التفرقة وإثارة المشاكل داخل دولها والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ألا وهي دولة ( إسرائيل ) والسعي لفصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلا ماديا عبر الدولة الإسرائيلية وإنما اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ، مما يبقي العرب في حالة من الضعف . وتجزئة الدول العربية وإفشال جميع التوجهات الوحدوية .
ولعل اكتشاف النفط في العالم العربي والى ظهور منافس قوي في هذا المجال وهو الولايات المتحدة قد سَرّعَ في تنفيذ مقررات هذا المؤتمر من أجل السيطرة على هذه الثروة واحتلال العالم العربي وتقسيمه . فنجم عنه اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917 ومؤتمر فرساي عام 1919 ومؤتمر سان ريمو عام 1920 ومؤتمر سيفر عام 1920 و تم تتويجه بقرار الأمم المتحدة الظالم رقم 181 بتاريخ 29/11/ 1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس وتبعه بتاريخ 15/ 5 / 1948 وثيقة إعلان دولة إسرائيل وبتاريخ 11/ 5 / 1949 تبوأت إسرائيل مقعدها في الأمم المتحدة بصفتها العضو 59 في المنظمة الدولية .
وبعد قرن من الزمان على عقد هذا المؤتمر المشؤوم لن يكون هناك سلام دائم في المنطقة العربية فبين فترة وأخرى يشعلون حرباً وستستمر الأحداث الدموية إلى أن يتحقق ما خططت له إسرائيل من تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات وسوريا إلى ثلاث دويلات ولبنان إلى دويلتين وهذا ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق ( موشي دايان ) أثناء مقابلة صحفية أجراها معه الصحفي الهندي (كارانجيا) عام 1957 . وستستمر الادارة الأمريكية والصهيونية العالمية بالتخطيط لشرق أوسط مفكك يعاني من صراعات دموية .
واليوم أجادوا التخطيط لذلك من خلال زج عصابات مسلحة مرتبطة بمنظومات دولية مثل داعش والنصرة استخدمت أقذر الأساليب لاحتلال وتدمير أراض واسعة في سوريا والعراق .. مثلما أوجدت أمريكا ( طالبان ) في أفغانستان ، كل ذلك يحصل من اجل تجزئة وتقسيم الدول العربية إلى دويــــلات متصارعة .
فها هو نائب الرئيس الأمريكي ( جو بايدن ) ومن خلال مقال كتبه في 22/ 9 / 2014 في صحيفة ( واشنطن بوست ) جاء فيه ( إن الولايات المتحدة تدعم فكرة النظام الفدرالي في العراق ، في بلد شهد انقسامات وسط تهديدات إرهابية متزايدة ) وإن هذا المشروع مقدم من قبل بايدن عام 2007 وحاز على موافقة الكونغرس الأمريكي .
وهنا يتساءل المرء لماذا تشهد المنطقة العربية من دون دول العالم هذه الأحداث ؟ ومن يقف وراءها ولمصلحة من ؟ وكيف سيكون المستقبل ؟
ومن يقرأ التاريخ يعرف أن وراء كل هذه الأحداث الولايات المتحدة والصهيونية العالمية . وكل ما ستفرزه الأحداث يصب لصالح إسرائيل ، فمن أوجد داعش والعصابات الاجرامية ؟ ومن سلحها وأدخلها إلى المنطقة ؟ أما كانت الاستخبارات الأمريكية على علم ( بحشود داعش ) على الحدود العراقية قبل يومين من دخولها إلى الموصل .. فلماذا لم تضربها وهي التي ضربت الفنانة ( ليلى العطار ) وهي في شقتها . ولماذا تصر الولايات المتحدة وعلى لسان مسؤولين منها بأن طرد داعش من الموصل يستغرق سنة ، ويقول وزير الدفاع الأمريكي السابق بأن القضاء على داعش سيستغرق 30 عاما .
ما الغاية من إطالة الوقت ، ومن المستفيد مما ستفرزه الأحداث ؟ وكيف تحمى الأوطان من هذا الدمار ؟ إن المستقبل سيبقى بيد الأمريكان وحلفائهم .. ولكن نقول متى يتعض الحكام فيعملوا على توحيد شعوبهم من خلال المعاملة الإنسانية وروح التسامح والابتعاد عن التعامل الطائفي والقومي الذي مزق البلاد وأوصلها إلى هذه الحالة التي لم يشهدها العراق في السابق .. فالقلعة يا سادتي لا تحتل إلا من الداخل .. فبالعمل على توحيد الشعب والابتعاد عن لغة الخطاب النارية التي تبث الفرقة الطائفية والعنصرية وأن يتعامل الحاكم مع شعبه كأب لا يفرق بين أبنائه أسوة بقادة العالم المتحضر يومها سيعود الشعب إلى وحدته وقوته وسيبقى الوطن موحدا فوحدة الشعب حماية للوطن ، وللوطن حقٌٌ على أبنائه مثلما للوالدين حق على الأبناء . وستكون القلعة قوية في الداخل وعصية على كل من يريد تمزيق الوطن وتدميره . (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). صدق الله العلي العظيم